كيف تم اختزال الدين فى العبادات قراءة فى كتب المفكر على محمد الشرفاء

أمتنا الإسلامية أمة لديها كل مقومات النجاح فهى أمة يجمعها كتاب واحد ونبى واحد وتؤمن بإله واحد وهذه لعمرى مقومات كافية لتوحيد الكملة ورص الصفوف والتعاضد فمن أين جاء الخلل اليوم؟ وإلى متى تظل حالنا هكذا؟

وما أجمل أن تقرأ للشاعر على الشرفاء قصيدة عروبة حائرة التى يستنهض فيها الهمم .

إلى متى يا أخوتى 
تظل تشقى أمتى 
وجسمها ممزق مسحوقة عروبتى

واقرأ كذلك هذا المقطع الجميل:
إلى متى هذا الشقاق
وكيف يلتقى الزفاق
عروبتى دم مراق
فى كل قطر قصتى

وإذا استزدت فلك أن تعاود مع الشاعر هذا المقطع الرائع:
أليس بينكم رشيد
يعيد مجدنا التليد
ويشرق الفجر الجديد
وترفعون راية لعزتى

فما أحوجنا أيها المفكر الكبير والشاعر والمصلح الجليل إلى هذا الفكر الراشد وإلى من ينفض الغبار عن أمجادنا الضائعة وأن نستيقظ بطلوع فجر جديد.

وما أصدق قولك فينا فهل نعى وهل نفيق؟؟ أنا إذا لمنتظرون.. وما سبب كل هذا؟

هل السبب هو الخطاب الدينى أو الخطاب الإلهى أم هما معا؟

بداية يرى المفكر أن الرواة اختزلوا الدين فى العبادات دون المعاملات وأهملوا القيم التى ينادى بها الدين كالتسامح والإيثار والخلق الحميدة والتفانى فى العمل وحفظ الجار والعدل واختلط على المسلمين الخطاب الإلهى بالخطاب الدينى فاعتبروا واعتقدوا أن الدين منحصر فى العبادات بالمسجد وأنه لا يتجاوز ذلك إلى المجتمع والتعامل معه والحياة وفهمها وانعكس ذلك على الفرد والمجتمع، فما الفرق إذن بين الخطابين الدينى والإلهى؟ على هذه الإشكالية بنى على الشرفاء منهجه الدعوى الرامى إلى تخليص الدين من الروايات.
يجيب الكتاب على هذه الإشكالية فى كتاب يتألف من ٣٠٢ صفحة من الحجم الكبير. صادر عن دار النخبة بأبوظبى يوليو ٢٠١٨.

فى هذا الكتاب الذى يتألف من أكثر من ٢٠ عنوان بالإضافة إلى التقديم ومقدمة للمؤلف جاءت مرصوصة ومرصوفة بطريقة محكمة ومنهجية واضحة أحاط فيها المفكر بمحتويات الكتاب مع إلحاح على إشكالية وضعية أمتنا التى تحولت إلى إشكالية تشغل العالم.

ما السبب فيما تعيشه الأمة الإسلامية اليوم من واقع متردى والنكوص الذى ألت إليه الأحوال بسبب الانقلاب على القرآن والعزوف عنه كنص قطعى والسير لهاثا وراء الروايات والإسرائيات المضللة خصوصا بعد أن اندس اليهود المجوس ومن له نوايا خبيثة فى صلب الدولة الإسلامية وأصبحوا يبثون سوما داخل حقلها المعرفى الدينى مما أدى إلى التفرقة والتشتت والتناحر. 

لهذا جرد الكاتب قلمه لمحاربة هذه الوضعية وانبعثت أطروحاته الجليلة والجريئة تذكرك بأطروحات الكواكبى فى سعيه إلى البعث ومحاربة الاستبداد السياسى وتجهيل الشعوب.

تتحدى أطروحة المؤلف أغلال التقليد الأعمى وسدنة الرواية والتشيع والطائفية والتحزب ساعية إلى تجديد الخطاب وتوحيد الأمة بالرجوع إلى معاقل الدين الأولى بل إلى معقل الدين الأول مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الوحى لبناء إسلام خال من الدخيل قوامه إيمان بإله واحد، هو الله ورسالة واحدة، هى القرآن ونبى واحد هو محمد صلى الله عليه وسلم، المبلغ المرشد وليس المهيمن المتغطرس الذى وصفه الله تبارك وتعالى بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» صدق الله العظيم 

هذه المحامد الكريمة وهذه الأفكار القيمة، تجدها مبثوثة هنا وهناك فى ثنايا كتاب المسلمون بين الخطاب الدين والخطاب الإلهى وفى بقية كتب المفكر وكتاباته وآرائه فإذا كان الكواكبى قد جرد قلمه لمحاربة الاستبداد والاستعباد فى أرقى مراحله الذى هو الاستماتة فى سبيل الباطل وما أكثره حيث يقول: «إن أرقى مراحل الاستبداد أن يستميت المرء فى سبيل الباطل استماتته فى سبيل الحق، فإن الأخ على قد سخر فكره لصقل الدين من الشوائب وإبعاد الدخيل واللصيق مؤكداً على أهمية التعايش السلمى والانفتاح على الآخر وإشاعة الرحمة والإيثار والعدل والسعى إلى تحصيل العلم والابتكارات وأن يكو ذلك كله مسخرا لعبادة الله كما فى الآية: «قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» صدق الله العظيم.

ولكن بسبب الانشغال عن الخطاب الإلهى وبسبب عدم تدبر القرآن وتحكيم العقل وبسبب إشاعة الخطاب الدينى المبنى على التكفير بدل التفكير انتشر التمذهب والتزلف للصسلاطين والساسة وانقسمت الأمة أشلاء متفرقة واتسع التمذهب والتحزب ووجد الأعداء من أين يدخلون، فما سبب كل هذا؟

يرى المؤلف أن الدين عبادات ومعاملات كلها لتحقيق غاية قصوى، هى تطهير النفس وتمكين الأخلاق والقيم الفاضلة. فالصلاة والصوم والحج والزكاة بتعبير المؤلف عبادات وممارسات وشعائر تعبدية ولكنها بالأساس تدفع الإنسان إلى الإسلام الذى هو جملة الأخلاق التى جاء بها القرآن ودعا إليها النبى صلى الله عليه وسلم وهذه الوسائل تكمن فى التذكر والتربية والتزكية وغاية التذكير والتزكية والتربية عبادة الله لمن استخلف على الأرض سعيا لإسعاد البشرية وفى باب الجهاد ومفهومه أوضح الكاتب أن الجهاد ليس القتل والتدمير وإنما هو جهاد النفس والتقيد بأوامر الله فى مواجهة الأعداء الذين يريدون شرا ومنعهم من الاستيلاء على ثروات الناس واستباحة حرماتهم وضوابطه واضحة فى الآية الكريمة (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) صدق الله العظيم 

فكيف خرجت علينا فرق ومواليد غير شرعية تتسمى باسم الإسلام وهو منها براء فتدنس أرض الله الطاهرة وخاصة المشرق منها مهبط الديانات ومهد الإشرافات السماوية فتقتل وتدمر وتنهب خيرات الناس رافعة علم التوحيد وكلمة لا إله إلا الله. هذه الطفليات التى وإن تعددت الأسماء والتيكتات فالمنتوج واحد والماركة مسجلة وهى إرهاب البشرية ونشر الذعر والخوف والفتنة والإسلام من كل هذا براء. فالإسلام حقا، إشاعة الرحمة والتواد والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة ولن تتخلص من هذه الأمراض الخبيثة حسب المفكر على الشرفاء إلا بالرجوع إلى القرآن كمرجع للتشريع ومنبع للاستنباط ونور من الله يخرج الناس من الظلمات إلى النور بعد أن تراجع المسلمون فى شتى علوم الحياة وتراجع التفكير فى البحث والإبداع وأصبح المسلمون يتلقون فوائض ما تجود به أسواق الغرب عليهم ويدفعون لهم ثرواتهم ثمنا رخيصا فانشغلوا بأنفسهم وغيرهم يشتغل بجد واجتهاد لتطوير العلوم وتنمية الأوطان لتحقيق الرفاهية لشعوبهم ونحن رضيا بالدماء تروى الأرض بغيا وظلما وتخلفا عندما تركنا رسالة العلوم والإيمان وحلت مكانتها دعوة القتل والطغيان .

المصادر 
الدكتور محمد رباني - مدير دكتوراه في الطب - جامعة نواكشوط
الدكتور شكري الميموني مدير الدراسات الشرقية والعربية جامعة رين

جمعة, 09/08/2019 - 09:14