في لوحة فنية متنافرة المضمون، تحاول الأكواخ الخشبية الوقوف بشموخ جنبا إلى جنب مع آخر ما توصلت إليه فنيات الهندسة المعمارية الحديثة في بناء القصور الفخمة المزركشة بآخر صيحات التطريز.
يحدث ذلك في أرقى أحياء العاصمة نواكشوط، حيث يتجلى العناق الحميم بين الأصالة والمعاصرة.
الأكواخ المهاجرة لم تنبت من الأرض ولم تأت بالصدفة إلى حيث يجب ألا تكون، بل هي نتيجة حتمية لتلبية حاجيات مالكي وساكني القصور الفخمة في مقاطعة تفرغ زينة.
فورشة القصر قيد إنشائه كانت بحاجة لمن يحرسها، والحارس لا بد له ممن يرعاه ويقوم على خدمته في أرض غريبة عليه، ولذلك يقوم حراس الفلل والقصور باستجلاب عائلاتهم، وفي ظل انعدام المسكن تبني الأسرة الفقيرة في محيط الأغنياء عشا على قدر استطاعتها، فعانقت أكواخ الحراس قصور الميسورين، لتجلب كلا الأسرتين ما أرادت من مستلزمات الحياة، فترى المعزاة الجائعة تعبث بالسيارة الفارهة.
وبعد اكتمال إنشاء قصور تفرغ زينة وتأثيثها تتواصل الحاجة لبقاء الأكواخ، إذ أن معظم تلك القصور سيظل مهجورا لانتفاء حاجة مالكه إلى سكنه، أو لقضاء عطلته وأفراد عائلته خارج البلد، فلا يبقى له من خيار غير الإبقاء على الحارس وأسرته وكوخه وأشيائه.
المراقبون باتوا يلحظون انحسار هذه الظاهرة، حيث أعادوا الأمر إلى عدة أسباب من بينها رغبة حراس تفرغ في الحصول على قطع أرضية خلال فترة تأهيل وتوزيع حي الترحيل، ومنها أيضا رغبة الكثيرين من ملاك قصور تفرغ زينه في الاستغناء عن خدمات الحراس تحت ضغط الظروف التي باتوا يعيشونها بعد تركمات الديون والضرائب وتراجع الأرباح خلال السنوات الأخيرة.
فهل حان وقت فراق القصور والأكواخ في أرقى أحياء عاصمة موريتانيا؟.