قبل عقود قليلة لم تكن غالبية سكان موريتانيا على صلة وطيدة بالمدينة، حيث كانوا يعيشون حياة طبيعية تعتمد على الثروتين الحيوانية والزراعية ومنتجاتهما.
وبعد سنوات الجفاف، التي أهلكت الحرث والنسل، بدأت موجات الهجرة نحو المدن، لكن البعض فضل الاستقرار في قرى نائية كانت له مستقرا ومقاما بعيدا عن ضوضاء المدن.
يستيقظ شباب القرى فى الصباح الباكر لقراءة القرآن ودراسة الفقه الإسلامي واللغة العربية على شيخ من مشايخ القرية يصحح قراءاتهم ويفصل لهم الأحكام والضوابط الدينية.
عرف أهالى القرى منذ عشرات السنين أمراضا عديدة معروفة كانت تصيب الأطفال والشباب منها الحصباء "بوحيمرون" والسعال الديكي "تشاگه او تعْوَه"، وأنواع عديدة من الحمى المصاحبة لفصل الخريف.
وكان أهالي القرى يتعاملون مع هذه الأمراض بحرفية كبيرة مستوحاة من التجارب السابقة، ولم يعرف عن تلك الأمراض أنها فتكت بالكثير من الأرواح بشكل لافت.
يبنى الأهالي حظائر لحيواناتهم بجانب المنازل لكى يرعونها عن قرب، باعتبارها من أهم مصادر دخلهم المعتمد في كثير من الحالات على ما يوفره رجالاتها الذين هاجروا إلى المدن أو إلى الخارج بغرض العمل.
أطفال القرى البعيدة، حتى في عصرنا اليوم، قلما يرون السيارات إلا فى بعض المناسبات المتباعدة، لكنها تبقى ضالتهم المنشودة التي يتنادون إليها بمجرد سماع صوتها النشاز في منطقتهم، محاولين ركوبها، حتى وهي تسير بسرعة مفرطة، غير آبهين بخطورة الالتحام بالقادمين من مناطق موبوءة بفيروس كورونا.
فخلال الاسبوع المنصرم، وفى زيارة موكب وزير الصحة للقرى والمناطق المجاورة للضفة جرى الحديث عن التعايش مع فيروس كورونا بما يعنى مناعة القطيع، لكن أطفال تلك القرى لم يسمعوا عن الفيروس الخطير.
لقد تعايش آباؤهم وأجدادهم مع الكثير من الأوبئة، فاكتسبوا المناعة اللازمة دون أن يحصل لهم علم بذلك، فاستطاع ساكنتها الصمود والتعايش مع كورنا، حتى ولو فتكت الشائعات والخوف من المجهول بسكان المدن.
تقرير موفد الوئام/ جمال السالك