الوئام الوطني - عن تسريبات لجنة التحقيق البرلمانية كتب الدبلوماسي الكبير والسفير السابق سيدي محمد ولد حنن :
"ما ذا بعد تسريبات لجنة التحقيق البرلمانية؟
لا يسعني هنا الا ان أتقدم أولا بالشكر الجزيل واسمي آيات التقدير لفخامة رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني الذي وفر الجو الملائم من الحرية والانفتاح أمام الأطراف السياسية الأمر الذي سمح للمؤسسات الدستورية بالقيام بمهامها التي كانت معطلة .
وهكذا استطاعت لجنة التحقيق البرلمانية القيام بمهمتها وبدات التحقيق في بعض الملفات التي كنا نجهل كل شيء عنها وخاصة فيما يتعلق بهذه الصفقات التي تثار حولها شبهات والتي يبدو من خلال تسريبات لجنة التحقيق ان عملية نهب واسعة قد رافقتها
وأنا أقول وبصوت عال لولا الإرادة السياسية لفخامة رئيس الجمهورية وعزيمته الفلاذية لما قامت للجنة التحقيق قيامة ولا ظهرت هذه المعلومات عن تسيير بلدنا الكارثي .
ففي ظل العهد الجديد أصبحت الهيئات الدستورية تمارس مهامها بكل حرية واستقلالية وهو الأمر الذي كان ممنوعا من قبل .
وبفضل هذا الجو اطمأن الجميع بمن فيهم اخوتنا في المعارضة الذين كان ينظر اليهم كأعداء للوطن وهم ليسوا كذالك بل هم شركاء في الوطن واللعبة السياسية الا ان -مبدأ الدولةهي أنا -الذي كان معتمدا أقصاهم من المشهد .
واغتنم هذه الفرصة لأقدم تهنئة خاصة الي لجنة التحقيق البرلمانية علي العمل الذي قامت به بكل مهنية وتجرد .
هذا ولن أشارك في الجدال الدائر حول قانونية محاكمة رئيس دولة سابق وإنما يتبادر الي سؤال اخر هل نحن نمثل حالة استثنائية في هذا العالم ؟
فرنسا التي صدرت لنا دستورها وقوانينها تحاكم روساء الجمهورية ورؤساء الحكومة :
فقد تمت محاكمة جاك شيراك والين جبي Alain Juppé وFrançois Fillon .
ويستعد القضاء آلان لمحاكمة كل من الرئيسين السابقين Giscard وSarkozy .
لقد برهنت تسريبات لجنة التحقيق البرلمانية ان عملية النهب المبرمج والمنتظم ظلت مستمرة خلال العقد الماضي ومع ذالك لم يسمح بتشكيل لجنة تحقيق بالرغم من الحاجة الماسة لها .
وبدلا من الاهتمام بهذا الملف المرتبط بمصير هذا الشعب تركزت جهود الدولة علي متابعة ومضايقة ابرياء لسبب مزاجي ربما ويتعلق الأمر بكل من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو والمصطفي ولد الإمام الشافعي وكأنهما من يهددان الأمن .
كما تركزت جهود الدولة آنذاك علي متابعة ومضايقة بعض الصحفيين الذين لا يملكون من السلاح يهددون به البلاد الا أقلامهم مثل حنفي الدهاه باباه سيد عبدالله عبد الرحمن ودادي الشيخ ولدجدو وغيرهم .
وكانت متابعة ومضايقة المعارضين الوهميين هي اهم انشغال امني للبلاد بالإضافة الي مضايقة من تسميهم السلطة آنذاك بمجموعات الإسلام السياسي وهم حسب تصنيف السلطة ينقسمون الي صنفين :
-اسلاميون معروفون بانتمائهم ويزاولون نشاطهم بكل شفافية ووضوح مثل حزب تواصل وغير متخفين
-وإسلاميون وهميون تلصق بهم التهمة لحاجة في نفس السلطة ٠
ومع ذالك تبقي الأنظمة الفردية عاجزة عن ادراك ابعاد القضايا التي تواجهها ٠
اتذكر انني عندما كنت سفيرا في مالي ٢٠٠٩ -٢٠١٢ قررنظام الرئيس السابق إصدار مذكرة اعتقال ضد السيد المصطفي الإمام الشافعي المقيم في الخارج وعندما وصل الخبر الي السفير الفرنسي في باماكو قال لي بالحرف الواحد : تظنون اننا سنصدقكم بشأن مذكرة اعتقال المصطفي الإمام الشافعي .
طبعا لم اطلع الجهات المعنية بهذا الأمر خوفا من ردة فعل متسرعة وغير مدروسة ٠
الا انني ذكرت الموضوع لمن اثق فيه من السلطة وهذا يعطينا صورة عن ممارسة السلطة من قبل شخص يكتفي برأيه ٠
ومن المفارقات الغريبة ان الرئيس السابق اعتمد في حملته الانتخابية سنة ٢٠٠٩ علي شعار محاربة الفساد واقتنع الكثير من الناس بهذا الشعار البراق الا ان الجميع سيصاب عما قريب بخيبة أمل كبيرة ٠
رحم الله الرئيس الأسبق اعل ولد محمد فال الذي صرح مرة ان البلد مختطف من قبل ابن عمه محمد بن عبدالعزيز وبعض الناس لم يدرك مقالته الا بعد حين لان اعل يعي جيدا ما يتحدث عنه -رحمة الله علينا وعليه .
يبدو ان رئيسنا السابق كان يؤمن بفلسفة الاختطاف كمنهج في الحياة وطبقا لهذا المنهج تأتي محاولة اختطاف حزب الاتحاد من اجل الجمهورية بصورة فجة ومبتذلة ٠
ان تسريبات لجنة التحقيق البرلمانية توكد أن ما حدث عبارة عن سطو علي ثروات شعب باكمله ٠
وبكل صراحة ما كنت أظن ان النهب في ديارنا وصل هذه الدرجة قبل تسريبات لجنة التحقيق البرلمانية
كنت اعلم ان عندنا سرقة أموال عمومية ورشوة مثل جيراننا ولكن ليس بهذه الدرجة التي يصعب فهمها
إذن أصبحنا نعرف كل شيء عن تسيير بلدنا خلال العقد الماضي بفضل الإرادة الصادقة لفخامة رئيس الجمهورية وبرنامجه الإصلاحي الشامل وبفضل هذا العمل الجبار الذي قامت به لجنة التحقيق البرلمانية عندما توفرت لها الظرفية الملائمة .
فنحن مطالبون جميعا كنخبة وهيئات دستورية وأحزاب ومجتمع مدني وصحافة ومواطنين عاديين وجنود مجهولين بالوقوف وقفة رجل واحد داعمين بكل جهد لفخامة رئيس الجمهورية في سبيل تحقيق مشروعه الإصلاحي المتكامل وتعتبر ورشة استرجاع الأموال المنهوبة ركيزة أساسية من هذا البرنامج
سيدي محمد حنن
سفير سابق