الوئام الوطني - رفض المفكر الكبير والسياسي المحنك محمد يحظيه ولد ابريد الليل وصفه بمُنظِّر حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، قائلا إن ذلك مجرد اعتقاد لدى البعض لم يسند بدليل.
وقال ولد ابريد الليل، في مقابلة حصرية مع وكالة الوئام الوطني للأنباء، إنه لم يلمس أثرا كبيرا لذلك التنظير في سياسات ولد عبد العزيز، منبها إلى أن عكس ذلك حصل كثيرا، خاصة فيما يتعلق بالاستفتاء على تعديل الدستور الذي خالف نصائحه بعدم إجرائه.
وأوضح أنه يحاول مع تحكم أي نظام جديد ألا يرتكب أغلاطا كبيرة خوفا من الإضرار بالجميع، باعتباره الممسك بمقود البلد.
ونبه ولد ابريد الليل إلى أنه لم يختر أيا من الرؤساء الذين لم يستشيروا أحدا عندما قرروا الاستيلاء على السلطة، مشيرا إلى أنه لم يبخل بتوجيه الإرشادات اللازمة لإنقاذ البلد والدفع نحو تحقيق مصالحه، وإن كان التجاهل ظل مصيرا محتوما للكثير من تلك الإرشادات.
كما تحدث ولد ابريد الليل عن محاكمة ولد عبد العزيز ورموز حكمه، وعن عمل لجنة التحقيق البرلمانية
وتضمنت المقابلة كذلك تقييمه لعام من أداء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وحكومته، وحديثه عن التجربة الديمقراطية ومستقبل الانقلابات العسكرية.
واختتمت المقابلة بحديث ولد ابريد الليل عن حالة الانقسام المجتمعي والاستقطاب الجهوي والولاء العشائري، التي تعززت خلال السنوات الأخيرة، وكيفية العودة الى الانسجام والولاء للدولة المركزية.
نص المقابلة:
وكالة الوئام الوطني للأنباء: يصفكم البعض بمُنَظِّرٍ المأمورية الأولى للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، إلا أن تقييمكم لنظامه انقلب 180 درجة خلال مأموريته الثانية.. كيف تبررون ذلك؟
المفكر محمد يحظيه ولد ابريد الليل: وصفي بالمنظر مجرد كلمة وردت على ألسنة البعض، فالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لم يسبق له أن قال ذلك، ونحن لم نلحظ ذلك من خلال السياسات التي اتبعها طيلة فترة حكمه.
صحيح أنه من عادتنا أن نسدي النصح والمشورة لكل من حكم هذه البلاد حرصا مني على عدم ارتكابه لأغلاط كبيرة حتى لا يضرنا ويضر البلد برمته.
لم يسبق لنا أن اخترنا أيا من الرؤساء، فقد جرت العادة أن يأتوا بإرادتهم أو بإرادة آخرين، لكن من الحكمة أن تتعامل مع من يمسك مقود السيارة التي تركبها بكثير من اليقظة، ولذلك جرت عادتنا ألا نبخل في إرشاد من يتحكمون في مقود البلاد حتى لا تقع الكارثة.
أعتقد أن البعض لم يجد للرئيس السابق منظرا أو مرشدا فألصق الصفة بي، ولئن كان الأمر مجانبا للصواب فلا مانع أن نكون قد منحناه بعض الآراء والإرشادات القليلة جدا بسبب ندرة اللقاءات التي حصلت بيننا، وغالبا لا يعمل بما نرشده إليه إلا إذا لاحظ فيه مصلحة خاصة له، لكن ما يستجيب له في تلك الحالات النادرة نعتبره مكسبا وللوطن باعتبار ذلك هو هدفنا الأصلي من التواصل معه.
هناك أمثلة كثيرة منحناه الرأي فيها ولم يقتدي به، ولا أدري إن كان الرأي العام على اطلاع بها، ومنها على سبيل المثال نصيحتنا له فيما يتعلق بالاستفتاء على تغيير الدستور، والذي كان مهزلة حتى قبل أن يتم، لكنه لم يأخذ بتلك النصيحة.
لقد درجنا على إعادة المحاولة تلو الأخرى من أجل تصويب سياسات النظام السابق لكن الجزء الأكبر من محاولاتنا باءت بالفشل.
شخصيا لم أر نهائيا الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز قبل سنة 2008، مجرد الرؤية، وبعد محاولاتنا لتوجيهه نحو الإصلاح خلال سنوات مأموريته الأولى، شاهد الجميع كيف ظهر فساد الرئيس ونظامه سنة 2014، حيث بات الأمر واضحا وجليا للجميع، فتم إدخال البلد في تيه لا أحد يدري إلى أين، وهو ما فرض علينا حينها إصدار وثيقة موقعة ب"الرأي السياسي"، تم تضمينها جملة تحفظاتنا على النظام، ولم نجد بعد ذلك ما يمكن أن يغير رأينا فيه، حيث توصلنا إلى قناعة تامة بعدم جدوائية التواصل معه.
الوئام: إلى أي حد تعتقدون بإمكانية حصول محاكمة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على ضوء نتائج عمل لجنة التحقيق البرلمانية؟.. وهل من عوائق أمام تحقيق ذلك الهدف؟
ولد ابريد الليل: في الحقيقة ليست لدي معلومات دقيقة عن عمل لجنة التحقيق البرلمانية، لكن يبدو لي أنها موجهة، وملاحظتي الشخصية أن الرأي العام لديه الرغبة في استكمال عملها.
الوئام: كيف تقيمون عاما من أداء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وحكومته؟
ولد ابريد الليل: يبدو لي أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني استطاع خلال عامه الأول في السلطة أن يحصل على شبه إجماع وطني، وهو إنجاز سياسي كبير وفي غاية الأهمية، كما أنه هدف تسعى إليه الأنظمة ويكلفها الكثير.
لا أعرف بالضبط ما الذي كلف ولد الشيخ الغزواني الحصول على هذا المكسب الهام، لكنني أدرك أنه شخص يتقيد بالكثير من الأخلاق الحميدة التي قلت في المجتمع لكنها تبقى ذات أهمية قصوى لدى الجميع، وتجلب الرضى والاحترام لمن يتقيد بها أو ببعضها لدى الرأي العام، ومع ذلك يبقى المتشبثون بالأخلاق قلة في المجتمع.
الوئام: في أية مراحل نضج التجربة الديمقراطية نحن الآن؟.. وهل تم سد باب الانقلابات العسكرية بشكل نهائي؟، وإن كان الجواب بالنفي، فما هي الثغرات التي يمكن أن تشكل منفذا للمتربصين بنمط الحكم؟
ولد ابريد الليل: لا أدري إن كانت تجربتنا الديمقراطية قد نضجت بالفعل، فذلك بالنسبة لي تقييم جريئ، ومع ذلك فاحتمال حصول انقلابات عسكرية لم يعد مطروحا اليوم، فقد تغير المجتمع وتغيرت الأوضاع، وحسب ما يبدو فمنذ ما يربو على عشر سنوات لم يعد الأمر ممكنا ولا مقبولا.
إن جميع الانقلابات التي شهدتها موريتانيا، ونحن نتابعها بشكل مكثف، لم يحدث أي منها إلا بعدما أصبح حاجة لدى المجتمع بعد انسداد لم يجد طريقا للانفراج.
من الخطإ الاعتقاد أن الانقلابات هي مجرد قرار يتخذه عسكريون اجتمعوا في غرفة، فلا بد من تقبل المجتمع لفكرة الانقلاب حتى يستطيع العسكري تنفيذه بنجاح، ولذلك فهذا النوع من أساليب الوصول للسلطة أصبح متجاوزا في العالم بأسره، وهنا في موريتانيا بصفة خاصة.
الوئام: يعيش البلد حالة انقسام مجتمعي واستقطاب جهوي وولاء عشائري، فهل من ضوء في نهاية النفق؟
ولد ابريد الليل: عندما تقوى الدولة فإن كل تلك المظاهر تتلاشى فورا، لأن استفحالها يعتبر من مظاهر وتجليات ضعف الدولة، ولذلك فنحن معنيون ببناء دولة قوية.
وللإشارة فقوة الدولة لا تعني التسلط واستظهار السلاح في وجه المواطن، فقوتها تعني قناعة المواطنين بها وبسلطتها وبتطبيق قوانينها على الجميع، وبذلك تكون قوية سياسيا، فالمدافع لم يسبق لها أن كانت عاملا في تثبيت أركان الحكم، لكن القوة السياسية تجعل المواطنين مقتنعين بوجود الدولة ومستعدين للدفاع عنها والانصياع لقوانينها، فأغلب الناس يدرك الأمور الصالحة بالحدس أو الإدراك، ويعرفون أن الدولة القوية هي وحدها القادرة على علاج ما يمكن أن يؤثر في لحمة المجتمع.
الوئام: شكرا جزيلا على الأجوبة الشافية، وعلى ما اقتطعتموه لنا من وقتكم الثمين.
أجرى الحوار/ جمال السالك