لقد هاجر الرسول عليه السلام مضطرا إلى المدينة بعد ماتم حصاره من قبل أعداء رسالة الإسلام الذين تحالفوا ضد دعوة الله للناس، تهديهم إلى طريق الخير والصلاح تدعوهم للرحمة والعدل والإحسان والسلام والتكاتف فيما بين الناس، لتحقيق الأمن والسلام الاجتماعي، ليعيش الناس فى المجتمعات الإنسانية فى استقرار وأمان.
وقد لاقى الكثير من الظلم والمعاناة فى سبيل ايصال الأمانة التى يحملها من الله سبحانه إلى الناس جميعا، ليبلغهم آيات الله وتشريعاته ويبين لهم سبل الخير والسلام
وقد تحالف ضد دعوته من يخاف على مكانته ومن يخشى ضياع مصلحته ومن يرى فى رسالة الإسلام تعرية لأكاذيبه وكشف ألاعيبه فى خداع الناس برواياته وأساطيره وما حرفه مما نزل على أنبيائهم من كتب سماوية لهدايتهم إلى طريق العدل والسلام، وماحرمه عليهم من ظلم الناس وقتلهم الأنبياء، ومن خوفهم على ما يمكن أن تكشفه تحريفاتهم وزيفهم وخداعهم للناس، فتحالفوا مع قبائل قريش وغيرهم من القبائل الذين شعروا بأن رسالة الإسلام تقضي على مصالحهم فكادوا للرسول وحاصروه ونكلوا بأصحابه وحفاظا على الأمانة التى يحملها فى قرآنه ليبلغها للناس كما أمره الله سبحانه لم يجد طريقا غير الهجرة إلى المدينة ليحمى أمانة الله التى أنزلها عليه فى الذكر الحكيم، ويوصلها إلى الناس ويؤديها بكل إخلاص نقية طاهرة دون تحريف أو تشويه أو تزوير، وهو يعلم عليه السلام عظم المسئولية الملقاة على كاهله، فلم يخش ظلما ولم يتردد أمام الجبروت والطغيان وهاجر إلى المدينة يحمل معه شعلة النور التى تضيء طريق الخير والسلام والعدل والرحمة لكل الناس، يبشرهم بحياة كريمة فى الدنيا آمنة مستقرة وجنات النعيم فى الآخرة، ويفتح لهم بآيات الله فى قرآنه طريق الفلاح والصلاح، وينذرهم من يوم لاشفيع فيه ولا وسيط، كل بعمله يوم لاينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ويدعوهم عليه السلام إلى اتباع كتاب الله والتقيد بتشريعاته وممارسة آداب القرآن وأخلاقياته التى هي السنة الحقيقية للرسول عليه السلام، وسلوكياته مع أهله وأقربائه وأفراد المجتمع، بغض النظر عن عقائدهم ودياناتهم يعاملهم كما أمره القرأن إخوانا فى الإنسانية، ويدعوهم أيضا بالحكمة والموعظة الحسنة ليتبعوا مايعرضه عليهم من هدي الآيات لمايحول حياتهم فى الدنيا إلى سعادة وعيش كريم فى أمن وسلام، ويجنبهم حياة الشقاء والضنك ويبشرهم إذا اتبعوا كتاب الله وهدي القران جنات النعيم فى الآخرة ويستشهد بقوله سبحانه ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (طه: 123: 124) ثم يعدهم عليه السلام ماقال الله سبحانه ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).
هكذا كان عليه السلام يجاهد فى سبيل الله ، تحمل الغربة عن مدينته التى ولد فيها مكة المكرمة، وهاجر بعيدا عن أهله وأقربائه وتحمل المشاق والمعاناة فى حمل الأمانة ورسالة الإسلام فى كتاب مبين، ليبلغها للناس كما أمره ربه وواجه كل المؤامرات بقوة اليقين بنصر الله، وهزم كل المحاولات التى تسعى للنيل من آمانته والقضاء على رسالته، التى تنزلت عليه من خالقه وفى حجة الوداع أعلن على الناس استكمال مهمته مستشهدا بقول الله سبحانه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينً) (المائدة:3).
عليك السلام يارسول الله فقد كنت رحمة للعالمين وقدوة للناس أخلاقا وسلوكا للمسلمين، كنت رحيما وعفوا ومحسنا، ترفق بالفقراء والمساكين، كنت معلما عظيما للإنسانية وأسوة حسنة كرمك الله فى صفاتك، وأثنى عليك فى حسناتك، ورفع لك عنده قدرك، وختم بك رسالاته، وأعطاك أعظم وسام، فسماك رسول الله وخاتم النبيين عليك سلام الله ورضوانه محمد بن عبدالله، بلغت الامانة وأكملت الرسالة وكنت هاديا ومبشرا ونذيرا.