جميل أن تكون لموريتانيا قامة نخبوية بحجم الكاتب والمفكر الكبير محمد يحظيه ولد ابريد الليل، الذي نظَّر وألَّف وكتب وحاور على مدى عقود طويلة واكب خلالها سنوات تشكل الدولة الحديثة.
لكن الأجمل أن يدرك هذا المفكر الكبير أن دائرة دورانه حول الأحداث لاستكشاف كنهها وإدراك تفاعلاتها وأبعادها، قد تقلصت إلى حدود الدوران حول ذاته بعيدا عن مجريات الأمور التي أصبحت تستجد على مدار اللحظة، وباتت مواكبتها تتطلب سرعة الضوء، وهو ما تأباه سنه، أطال الله بقاءه.
فلا أحد يمكن أن يشكك في كفاءة الرجل وذكائه واستشرافه حينما كان يرصد الأحداث بسمعه وبصره وبصيرته الذاتية، أما اليوم، ورغم رصيده المعرفي الكبير وقدراته الذهنية الفائقة، فإن مواكبته للأحداث المتلاحقة باتت تتطلب مساعدة الغير، الذي قد لا يكون نزيها في النقل، أو ربما كان قاصرا في التوصيل.
لقد تضمنت مقابلة ولد ابريد الليل مع قسم الأبحاث و الدراسات التابع لهيئة تحرير "البورتال ديبلوماتيك "المعروف بخطه التحريري المعادي للمغرب،الكثير من المغالطات التي جانبت الحقائق الموثقة والمنشورة والمعروفة لدى الرأي العام حول الدور المحوري للمملكة المغربية في المنتظم الدولي وعلاقاتها على الصعيدين الإقليمي والقاري، كما يتجلى ذلك في جهود المغرب في توحيد كلمة ومصالح القارة السمراء، وكذا الدعم الموجه لشعوب الجوار، وحرصه على احترام سيادة الدول.
لقد أجمعت المحافل الدولية ومراكز البحث على تثمين الدور الكبير والمؤثر الذي لعبه المغرب تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس في تأمين المنطقة وتعزيز تعاونها الأمني ولاستخباراتي في وجه تهديدات الإرهابيين والمهربين، كما ساعدت على خفض تدفق المهاجرين غير النظاميين لتحد بذلك من خطر زهق أرواح الأفارقة في عرض البحر، وفي ذات الوقت فتحت ذراعيها لشعوب المنطقة فاحتضنتهم وعاملتهم بما يجب أن يعامل بها الإخوة والجيران.
وفي سياق تأمين المنطقة وتعزيز سيادة الدول ووحدة أراضيها، عملت المملكة على جمع الفرقاء الليبيين على طاولة الحوار ليتم توقيع "اتفاق الصخيرات" الذي حظي بمباركة ورعاية دولية كبيرة، وها هي اليوم تستعد لتوقيع فرقاء الأزمة الليبية على اتفاق جديد سيحمل اسم "بوزنيقه"، وهو ما من شأنه أن ينقل الصراع من الميدان الحربي إلى حلبة السياسة، وبذلك يكون المغرب قد أبعد شبح تهديد الأمن القومي المغاربي والإفريقي الناتج عنا لأزمة الليبية.
وفي مالي، ساهمت المملكة في المساعي الرامية لتهدئة الأجواء وتوفير المناخ السياسي الملائم لنجاح الانتقال السياسي بشكل ديمقراطي وسلس.وهو ما مهد الطريق أمام اتفاق السلطة العسكرية الجديدة في باماكو والطيف السياسي للدخول في مرحلة انتقالية آمنة ستتم بعدها استعادة المسار الديمقراطي وفق أسس جديدة متفق عليها.
لقد لعبت الدبلوماسية المغربية أدوارا كثيرة وكبيرة على المسرح الدولي، وهو مابوأ الرباط المكانة التي تحتلها اليوم في المحافل الدولية، ومنحها التوازن الذي جعلها صديقة للغرب والشرق على حد السواء، رغم الخلافات العميقة والمصالح المتضاربة لتلك الأطراف. ولهذا أصبح المغرب شريكا جديا يستشيره الجميع في القضايا الدولية والإقليمية المصيرية.
وعلى صعيد علاقات المملكة مع موريتانيا، ظلت العلاقات متينة و متميزة رغم بعض الفتور الذي كان يعتريها في فترات معينة وظل المشترك الإنساني والتاريخي والثقافي بين البلدين حصنا حصينا ودافعا قويا لهذه العلاقات رغم محاولة البعض تبخيسها. كما لم يفت المتتبعين كم ونوع البعثات الرسمية وتبادل الزيارات التي تسعى إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية مع موريتانيا من خلال المبادلات التجارية والاستثمارات، وتطوير المهارات... إلى غير ذلك من سبل التعاون والتعاضد بين البلدين الشقيقين والجارين.
كما حافظ المغرب وموريتانيا على معبر PK55/ الكركرات مفتوحا في وجه الشاحنات مما سهل تزويد السوق الموريتانية بالحاجيات الأساسية.
كما سارع المغرب، في عز الأزمة، بإرسال حمولة طائرتين من المواد الطبية الخاصة بمكافحة جائحة كورونا، وذلك قبل إرسال كميات مشابهة إلى العديد من دول القارة الإفريقية، وهو ما حمل رسالة ضمنية مفادها أن تعزيز علاقات الرباط ونواكشوط ينال صدارة الأولويات لدى المغرب ملكا وحكومة وشعبا.
وعلى عكس ما يصوره ولد ابريد الليل في مقابلته الصحفية، فإن المغرب تعتبر من أكثر نظيرتها من الدول نشاطا وتأثيرا الساحة الدولية، كما أن المغرب المهتم بحاضر ومستقبل عمقه الإفريقي يبدو أكثر حرصا على تعزيز علاقاته بدول الجوار، خاصة تلك التي تؤمن بأهمية الشراكة بين أخوة النسب والدين والجوار.
لقد كان على رجل بحجم ولد ابريد الليل، ثقافة وفكرا وتاريخا وتجربة، ألا يلجأ لإطلاق الكلام على عواهنه، وألا يوجه التهم جزافا من غير دليل، خاصة وأنه يتحدث عن دولة عريقة بحجم المملكة المغربية، تقع تحت أضواء المراقبين والمحللين والصحفيين ومراكز البحث، وهي أضواء كشفت عكس ما ورد في مقابلته مع "البورتال ديبلوماتيك".
هيئة تحرير وكالة الوئام الوطني للأنباء