وكالة الوئام - لا شك أن الدولة الموريتانية كانت جد موفقة عندما قاد مدير ميناء نواكشوط المستقل، سيد أحمد ولد الرايس، مفاوضاتها الشاقة مع شركة آريس بعد معضل صفقة الحاويات التي اعتبرها الاقتصاديون من أكبر عمليات الحيف التي راحت ضحيتها البلاد.
نجاح ولد الرايس في هذه المفاوضات لم يأت من فراغ، فالرجل معروف بقدرته على المناورة والمراوغة واستحضار الحجج الدامغة إذ لا ينسى الرأي العام كيف أدار بحنكة فائقة مفاوضات دكار إثر الانقلاب على نظام الرئيس الفقيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، بعد أن اختير لوظيفة كبير مفاوضي الطرف الحكومي الجديد. ورغم المآخذ على الانقلاب، فقد خرج ولد الرايس من مفاوضات دكار برصيد كبير من الاحترام والتقدير من لدن ممثلي المعارضة الموريتانية وحكماء الاتحاد الإفريقي والسلطات السينغالية. وقد اعتبر المراقبون السياسيون، منذ ذلك التاريخ، أن ولد الرايس يصلح لإدارة الأزمات والوساطات الدولية والحوارات الوطنية، لأنه يتمتع برجاحة العقل وسلامة المنطق وحسن الخلق وقوة الحجة مع ما تتطلبه المفاوضات من مراوغات تارة.
هكذا إذن، كان التوفيق من نصيب موريتانيا عندما أطلقت مسلسلا طويلا من المفاوضات الصعبة مع شركة آريس خاصة أنها كانت قد وقعت، وفق إجراءات قانونية شكليا، اتفاقا طويل المدة مع جهات غامضة بمباركة وبشراكة الدولة الموريتانية. وبالتالي كان على ولد الرايس ومعاونيه في المفاوضات أن يعملوا كل ما في وسعهم لتحاشي التحكيم الدولي لأنه يأخذ وقتا طويلا جدا، ولأنه لا يضمن نتائج تصب في مصلحة البلاد، ولأنه سيعطي انطباعا سيئا للمستثمرين الأجانب. وبالفعل تمكن ولد الرايس ومعاونوه من جر مفاوضي آريس إلى القبول بجل الشروط التي تعيد إلى موريتانيا مصالحها المنهوبة، وتضمن لها سيادتها على مينائها، وتؤسس لشراكة منطقية مع الشركة العملاقة.
وهكذا ضمن الاتفاق الجديد لموريتانيا دخلا يبلغ 140 مليار أوقية من صفقة الحاويات المثيرة. وعالج الاتفاق الجديد المأخذ المتعلق بالضبابية حول تجزئة رأس المال وإيجاد شريك يمكن أن يوثق في ذمته وأن يقدم التزاما، متمثلا في الصندوق الفرنسي الذي أصبح الشريك الأول. ووفق الاتفاقية الجديدة، أصبح من حق موريتانيا أن تدقق في الاستثمار، وأن تقف على ما سينجز، وعلى تكلفته الأساسية، وانعكاساته على التعرفة. وبما أن التعرفة التي كانت معتمدة في الاتفاق الأول تعد مجحفة وخطيرة على المستهلك الموريتاني، لأن الأسعار التي تفرض على الحاويات تنعكس مباشرة على جيب المواطن، أثمرت جهود ولد الرايس ومعاونيه عن جعل الأسعار في مستوى معقول.
ومعروف أن الاتفاقية الأصلية كانت تمنح شركة آريس حق احتكار المجال، حيث لا يحق للدولة منح أي رخصة أو بناء رصيف جديد خلال 30 سنة، وقد تم تغيير الأمر إلى عدد 450 إذا وصلته الحاويات ينتهي الاحتكار.
وانطلاقا من الاتفاقية الجديدة، ضمنت مراجعة الإعفاء الضريبي للدولة الموريتانية استعادة 12 مليار أوقية. وأصبح دخل الحكومة من مراجعة الاتفاقية 140 مليار أوقية.
إنه نجاح باهر للمفاوضين الموريتانيين، ينم عن كفاءة عالية، وعن حس وطني نبيل.
تحرير وكالة الوئام الوطني للأنباء