قيادي إسلامي: "الغزواني" لا يحمل ثارات مع أحد ولا مع أسس الحق والخير.. مقال

يقف حزب تواصل اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من مراحل العمل الوطني، ذلك أن الحزب رغم الجحود الذي يقابَل به من طرف الخصوم قد أنجز انتشارا أفقيا وبناء تنظيميا في عموم التراب الوطني، وكتب رؤاه وسطَّر أسس البرامج في المجالات المختلفة، كما أنه راكم خطابا سياسيا وشعبيا أضحى على ألسن المواطنين، وتَحفَظ الوسائل الحديثة إرشيفه بلغة صدق وجسارة في وقت الحاجة 

إلا أن النجاح وبلوغ المؤمَّل من حزب سياسيّ مثل تواصل، يطمح إلى تجاوز التوتر مع الدولة والتوجُّس مع النافذين يحتاج لعمل مكمِّل وخطط قد تكون أدق وأعمق؛ لأنّها ستواجه متارس مخلوطة بأمراض النفوس وروح المنافسة.

 

 وما لم نقرر نحن قرارا ونضعْ خُططا للوصول إلى الآخر وتبديد مخاوفه والتوافق معه على المشترك الذي لا خلاف عليه فإن التوتُّر الذي يُفضِي إلى المواجهة سيظل سيّد الموقف.

 

لا بد من تلك الخطط ولا بد لها من صبر على التعثّرات، إنها تحتاج روح اقتحام ونَفَسَ جُرأةٍ لا يقِلُّ في البسالة عن حاجتنا وقتَ النزال، إنّه جُهدٌ آخَرُ ليس القعودَ في المكاتب وانتظارَ ما سيقرِّر الآخر سعيا إلينا بالتوافق أو مواجهة لنا بالشر ، بل الإنجاز هو أن تبدِّد عن نفسك الصورة المشوَّهة وأن تفتح مغاليق النفوس بينك وبين شركاء الوطن والمصير، لن يطرُقَ الآخرون بابَك وأنت المشوَّه لديهم المفزع ، عند دوائرَ مؤثرةٍ خارجيَّة وداخلية تُراكم فيك تقارير التخويف والتخوين رعبا وتحريضا..

الأمر محتاج إلى نفرة تجاه دوائر التحكُّم والنفوذ الاجتماعي والاقتصادي والمالي والأمني والشركاء الخارجيين والداخليين ، مع نزع ما في نفوس الجميع من غلٍّ وإعطاء التطمينات وشرح التطلعات المتواضعة واستراتيجيات الحزب ؛ وكونه معنيّا حقا بالمتوافَق عليه من الجميع، وهو ترسيخ الحريَّات وبناءُ العدالة ونهضة التنمية والمساواة في الفُرص..

إن هنالك من الشركاء والنافذين في دهاليز الدولة من لا يقبلون أن تصِيخَ منهم الأسماع إلى حقيقة واقعيَّتنا في أهدافنا وبعدنا الوطني واستعدادنا للتعاون بتواضع مع الجميع من أجل الصالح العام.

 

ولكي نُعدِّل تلك الصورة القاتمة عنا ونزيل العقبات لا بد من جهد مستمر في العلاقات العامة والخاصة تجاه كل من له تأثير أو رأي ، وفي المقدمة منهم أصحاب المسؤوليّات الرسمية وفي مقدّمتهم الرئيس وأركان الحكم

 

*فرصة الجديد ...

 

لو كان الرئيس عدوا للثوابت أو انقلابيا معتديا على الحريات العامة والخاصة للناس ، أو كان في صراع معنا أو مع غيرنا ظالما ، لكان ذلك حجةً كافية لمقاطعته والبعد من التواصل معه.

إلا أن وجود رئيس لا يحمل ثارات مع أحد، ولا مع أسس الحق والخير، وليس له خصومات مع أهل السياسة بمختلِف ألوانهم ودوائرهم يجعلنا أمام فرصة سانحة لا تُضيع وعلينا أن نستغلَّها لتوضيح من نحن وما ذا نريد؟.

 

في ذلك السياق لا يجوز أن يكون اللقاء مع الرئيس ولا أيٍّ من مساعديه مصدرَ أزمة داخلية بل ينبغي أن ترفع القيادة شعارَ هارون الرشيد : "أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك"، نعم يحتاج ذلك الخراج لكي يكون نافعا إلى تدبير وترشيد وشفقة بلغة الأخوّة والتناصح من الجميع يحتاج من السُّعاة في الميدان كدحا ونصحا وفتحا للآفاق إلى دبلوماسية في التحرك ومهارة في التدبير ، لا بد من حفظ التوازن بين ما يجلبون من خير التواصل وما يترتب عليه من ردّات الفعل.

ولن يكون ذلك إلا بالعمل على احترام من في مركز القيادة وتوقير مكانته رمزا ومرجعية في الانطلاق تشاورا، وبعد الإياب شرحا وبيانا لما يحدث، وأخذا للمشورة واستعدادا للتوجيه.

 

نحتاج إلى روح خليَّة النحل التي تعمل بتكامل ترتشف من الأزاهير مستغلة جهد الجميع، فتُنتج عسلا مصفًّى فيه شفاء للناس، ولكنها تحفظ لملك النحل موقعه مع الحذر من سلبيات التخلص من كل الذين أبلوا فيها البلاء المرهق.

تعول ملكة النحل وهي تتخلص ممن أرهقوا كدحا على الملايين المتكاثرة في الخلية بينما يرشدنا الوحي النبويّ إلى الحرص على الرواحل التي تندُر في الإبل المائة.

 

سنظل بعيدين كل البعد عن المنشود من التوافق وخدمة الدولة والمجتمع كما نريد ما لم يكن التواصل مزية لا مثلبا ونجاحا لا مصدر قلق..

اللحظة التاريخية تحتاج إلى كسر الجمود في العلاقة بين الدولة وأبنائها (نحن هنا) لسنا من كوكب آخر والشعور الذي ولّدته سُلَط الظلم بغربتنا على الدولة ودوائر الحكم هو شعور مختل وظالم، ظالم للدولة لأنه يحرمها من طبقة من أهل الكفاءة والاستقامة مخلصين للشان العام ، كما أنه ظالم للمجتمع لانه يبعد تلك الكوكبة الفذّة النادرة ، عن فرص أرحب لخدمته ، وظالم لنا لأنه يبعدنا عن حقوقنا كمواطنين ألفنا الحرمان حتى حسبناه أصلا لا محيد عنه.

 

لايجوز بحال من الأحوال أن ندعو إلى التعدُّد في الرأي والقابليَّة للتنوع في الدولة والمجتمع، ونفرِض نحن هيبة الرأي الواحد في الحزب، الاحزاب الحقيقية هي انعكاس مصغر للمجتمع بتنوعه، وينبغي أن تكون كذلك، فيها رقيق التدين والقريب من الغلو وبها المستقيم والظالم لنفسه، وينضم إليها الجسور الذي لا يخاف، ومنهم المشفق من المواجهة الكاره للمشقات، فيها المتأثر بالحداثة الثائر على كل تقليد، وفيها من يسعى لتغيير لا يعصف بكينونة المجتمع، المهم هو أن نتوحد في أسس القيم والمبادئ.

 

باختصار الشفافية تقتضي أن نذهب جميعا إلى الرأي العام في الحزب - والمجتمع - والدولة - بميولنا وآرائنا في التفاصيل والتكتيكات فليس سيئا أن يعرف المجتمع بتباين الآراء في الأمور التي يحتدُّ فيها النقاش وتتباين فيها العقول ويترتب عليها من المضار أو المصالح ما يكون مؤثرا في الشأن العام، يجب أن يتحمل كلٌّ مسؤوليةَ ما يؤول إليه الرأي الذي دافع عنه. 

 

الديمقراطية تجاربٌ، وفي أماكن رسوخها العتيقة تقول بالتنوع في الحزب الواحد، وأدبياتها تقبل بذلك حيث التباين في حزب المحافظين بين من يطالب بالخروج من الاتحاد الأروبي ومن يقول بالبقاء فيه.

 

إن قوة أي حزب سياسي ليست في القدرة على كبت الأصوات داخلَه بل في الإقناع بأنه فضاء للفُرَص وبيئة لخدمة الصالح العام يتوحَّد أصحابُه وينسون ذواتهم يوم القرارات والمواسم والمناسبات والأزمات، ثم يعود كل إلى نظره وعقله أوان اشتباه الفرص وتلبُّد الأجواء، "فإن غم عليكم فاقدروا له قدره" فيتباين الطرح والتقدير هنا ولكن تخرج العقول إن شاء الله تعالى بالصواب في الرأي والمصلحة في التقدير.

 

محمد غلام الحاج الشيخ

اثنين, 28/12/2020 - 20:12