نشرت صحيفة "مغاربي " ذائعة الصيت والواسعة الانتشار في دول المغرب العربي في عددها ال 32 الصادر يوم غد الأربعاء 2020/12/30 افتتاحية تحت :هذا "الشيئ" الانسان كتبها المدير الناشر للصحيفة العميد
حسن عثمان وهذا نصها :
هذ "الشيء" الإنسان
في كل أرجاء المعمورة ثمة بورصات وأسواق معلومة يتزاحم فيها المرابون والمغامرون والتجار لتحديد أثمان المعادن والمحروقات وما لم يغرس بعد من البقول وفواكه الأرض حيث لكل شيئ ثمن وقيمة . ولكن أين ومن يحدد قيمة الانسان وثمنه باعتباره أول عنصر لا تستقيم بغيره الحياة؟
في الواقع قد لا نحتاج الى عودة طويلة الى الوراء للوقوف على أول الانحرافات العقلية التي حولت الانسان سلعة تباع وتشترى في أسواق النخاسة وفق مواصفات تحددها طبيعة المجتمعات وتقلبات انحيازاتها العقدية والايروسية.
ومع أن إعلاء قيمة الانسان، انضباطا مع نسق التنوير ومنظومة القيم الكونية التي رفعت سقف الوعي البشري ، سيظل مطلبا عزيز المنال ، إلا أن اتساع جغرافية القتل وتسونامي الدماء عبر خريطة العالم قد يسعفنا في تحديد قيمة هذا "الشيئ" الموسوم مجازا ب"الانسان" في حسابات وممارسات كثيرين ممن ينظرون اليه من عليائهم واعتقاداتهم المفترضة.
ففي تقرير لمجمع الصناعات الحربية التركية ، بدا أن ثمن الانسان ، حال موته ، يتساوى بالضرورة مع ثمن طلقة لا يتجاوز نصف دولار. واذا كان صناع الموت في تركيا يزايدون على الآخرين بكرمهم وسخائهم الباذخ، فان نظراءهم التشيك لا يجدون أدنى مشقة في تصنيع رصاصة يمكن مقايضتها بروح انسان بثمن لا يتجاوز عشر دولار أمريكي.
وفي مقابل هذا القتل رخيص التكلفة، يمكن لقابض على الزناد أو ضاغط على لوحة مفاتيح الكترونية أن يحدد قيمة الانسان بما تماثله من طلقة أو صاروخ تتراوح قيمته بين مئات الآلاف أو ملايين الدولارات. ما يعني أن البشرية تكابد الآن الحياة في زمن لم تعد فيه ثمة قيمة ثابتة للعنصر البشري وهو الأول ، قبل النفط والذهب والعلف ، في صنع ما يستحق أن يوصف ب"الحياة".
ولعل ما يوجب هذا الهذيان ، أواخر سنة طافحة بالكوارث والمآسي ، أن المستقبل سيبدو أكثر قتامة طالما أن روح الانسان تظل أقل قيمة من ثمن قطعة طماطم واحدة في بورصات وأسواق السلاح.