نشرت صحيفة "مغاربي" المهتمةُ بالشأن المغاربي والذائعة الصيت في عددها رقم 33، افتتاحية للعميد الكاتب الصحفي والمدير الناشر للصحيفة، حسن عثمان، هذا نصها:
بعد انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لم يلح في الأفق ما يمكن ان يعكر صفو موريتانيا. فمنذ انتقاله الى القصر الرئاسي، بدأ ولد الشيخ في ترتيب اوراقه بما يكفي للوفاء ببرنامح"تعهداتي" الذي رجح كفته في ساحة يستهلك فيها المرشحون كثيرا من الوعود والعهود التي لا تصبح ملزمة بالضرورة بعد انقشاع غبار الانتخابات.
وبالموازاة مع انشغاله برسم هندسة سياسية وأمنية جديدة على قاعدتي الولاء والقطع مع الممارسات الملتسبة خلال عشرية محمد ولد عبد العزيز، كان أول ما ينبغي أن يبادر به هو تأمين الحاضنة السياسية التي ستحمي ظهره في بلد كاد أن يؤمن بأن الانقلابات العسكرية ليست الا حالة شرود وخروج عن النص وربما تكون ، في أحسن أحوالها، وجها خشنا للمناورات والطبخات السياسية في سمر منتصف الليل في أرقى أحياء نواكشوط.
غير أنه لم يذهب بعيدا للبحث عن حزام الأمان السياسي لأن قاطرة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية كانت حاضرة وماثلة للعيان في انتظار السائق الجديد والمرجعية الجديدة التي لا يمكن لغير الرئيس أن يدعي تعلقها بشخصه أو منصبه. والحال أن الرئيس السابق الذي استنسخ التجربة الفرنسية باسمها وحذافيرها ومراميها السياسية، لم يستسغ أن تعود المرجعية الى أب روحي آخر وكأن تأسيس الحزب لا يختلف كثيرا عن حيازة صك ملكية غير قابلة للتحويل أو التوارث.
وبعد صولات وجولات صيد لاستقطاب برلمانيين وأعيان يثقلون كفته في الميزان، راكم عبد العزيز جملة خسائر في وقت واحد: خسر معركة المرجعية وخسر الحزب الحاكم وخسر صديقه محمد ولد الشيخ الغزواني.
واذا كان قد بذل كامل جهده لاستئجار حزب بديل، فمن الواضح أنه يعلم جيدا أن حميمية العلائق الاجتماعية في موريتانيا لا تسمح بتغيير الأصدقاء بحسابات الربح والخسارة المادية. وتعني تلك الخسائر أن ظهر عزيز أصبح مكشوفا بعد أن غادر المدعوون الحفل ولم يبق من السمار الا الأقارب وذوي الدم والخلصاء الذين لم يغادروا السفينة وقد أوشكت على الغرق.
ولحكمة ما، ترفض المصائب أن تأتي فرادي. فبتزامن مع جائحة كورونا التي أشعلت نار الضائقة الاقتصادية وحرمت الموريتانيين من كؤؤس الشاي الثلاثة وقرض الشعر، هبت على الرئيس السابق جائحة المساءلة البرلمانية وما سيترتب عليها من نبش في ملفات العشرية المدبرة بالمحسوبية وإساءة التصرف في أموال وممتلكات نزعت عنها صفة العمومية وأصبحت صيدا مباحا للمقربين من ساكنة القصر الرئاسي.
وبين رئيس يصر على أن يسائل ورئيس سابق يرفض أن يساءل، متذرعا بحصانة تعلو فوق القوانين، تجتاز موريتانيا الآن أصعب امتحانات التحول الديمقراطي وتحديات بناء دولة الحق والقانون.غير أن خروج الديمقراطية الموريتانية سالمة من عنق الزجاجة سيستدعي بالضرورة مراجعات فكرية عديدة لمفهومي الحكم والحكامة وانتاج خطابات سياسية مغايرة تستوعب انشغالات كل المطالبين بالعدالة الاجتماعية واشاعة روح التشارك والانتماء الى وطن تتساوى فيه كل الخيام والرؤوس والألوان.
ومع أن الصعوبات الاقتصادية قد تظل ممسكة برقاب الموريتانيين لفترة قد تطول بفعل التأثيرات السلبية لكورونا ، الا أن بلاد المليون شاعر تدرك الآن أن الشعر وحده لا يصلح كل ما أفسده الدهر وأن بناء دولة المواطنة أبعد ما يكون عن نزهة بين الكثبان ذات مغيب صحراوي ساحر.
حسن عثمان