بعد انقطاع دام شهرا وأسبوعا عادت المدارس لتفتح أبوابها من جديد، ويستأنف المدرسون الدراسة ولما تنته الموجة الثانية لجائحة كورونا في البلد التي بدأت نهاية شهر نوفمبر الماضي، وعد الوزير بإجراءات وقائية وصحية أكثر صرامة مع بدء الدراسة إلا أننا لم نلحظ شيئا ذو بال حدث، فلم توزع الكمامات على التلاميذ في المناطق النائية ولم تعقم الساحات والفصول ولم نلاحظ تطبيق سياسة التباعد الاجتماعي، فلازالت الفصول مكتظة على حالها الشيء الذي دفع بعض الأسر لمنع أبنائها من المدرسة خشية من نقل العدوى إليها، أما الإدارات الجهوية فلازالت تعاني نقص حاد في الطواقم المدرسية بسبب إضراب "مقدمي الخدمة" والذين يشكلون نسبة تتراوح بين 50-35% من أعداد المدرسين في منطقتنا، الشيء الذي يجعلنا نرتاب في الإصرار على الدراسة في هكذا أجواء، ويجعلنا نشك في القرارات المتخذة في هذا الصدد والدوافع ورائها، هل هو خضوع ل"اللوبيات" التي يساهم بعضها في مؤسسات تعليمية خصوصية وتدر عليهم مبالغ طائلة من الأموال أم لعوامل أخرى؟ لا تهمنا الدوافع بقدر ما تهمنا النتائج والوقائع الميدانية.
يعاني بعض التلاميذ من الزكام الشيء الذي أحدث اضطرابا في الفصول وجعل الأساتذة لا يعملون بأريحية داخلها، فخشية انتقال العدوى إليهم تؤرقهم وتجعلهم أكثر حذرا وصرامة مع من تظهر عليه أعراض شبيهة بأعراض كورونا، بل إن بعضهم طالب بمنح عطل للمزكومين وإبعادهم عن المدرسة حتى تنجلي الغمة ويتأكدون من سلامتهم، لم يجر تعقيم الفصول كما وعدت الوزارة ولازال الكثير من المدارس يتعامل مع الوضع وكأننا نعيش في زمن ما قبل الجائحة، فلا وعي ولا احتياط ولا انتشار للثقافة الصحية التي يجب أن تكون سائدة هذه الأيام بخطر الجائحة، وغسل الأيدي واستعمال الكمامات والمعقمات والوعي بخطورة الوضع ولاسيما أن سلالات جديدة من الفيروس ظهرت وهي أكثر خطورة وأسرع انتشارا، وإلى الآن لم يصل بلدنا إلا 5000 جرعة من اللقاح هي المعلنة، وهي كافية فقط لتلقيح واحد في الألف من الشعب الموريتاني، ثم إن الخبراء غير مأكدين من جدوائية اللقاح مع السلالات الجديدة، ولاسيما أن السلالة الثالثة ظهرت في جنوب إفريقيا وانتشرت في عدة بلدان إفريقية الشيء الذي يستدعي منا الصرامة والحذر والاحتياط، فقد ضاع فصل كامل من العام الدراسي بسببالسلالة الأولى ولا ندري كيف سيكون الوضع لو وصل إلى بلدنا السلالة "الثانية أو الثالثة" حفظنا الله من ذلك، لكن في مثل هذه الظروف كل الاحتمالات واردة ونرجو أن لا يقع إلا الخير.
استئناف الدراسة قبل التأكد من وصول الكمامات والمعقمات، والتأكد من أن إجراءات السلامة ستشمل كافة المدارس وليست واحدة أو اثنتين زارهما الوزير، خطأ كبير ومغامرة بأرواح الطلاب والطاقم التربوي الذي يعاني بعضه من أمراض مزمنة كالسكري والضغط، ثم إن عدم تطبيق سياسة التباعد عليه ما عليه من المآخذ، لذلك نرجو من الوزارة إجراء مراجعة شاملة لسير العملية التربوية في الأسبوع الجاري ومحاولة تصحيح الوضع وتدارك الأخطاء، فالتهاون في أيام الجد والعبث في أيام الحرب نتائجهما كارثية، فنحن الآن في حرب مع فيروس كورونا بسلالاته الأربع المرعبة والتي لم نعرف منها لحد الآن إلا السلالة الأولى والتي فتكت بأرواح أكثر من ثلاثمائة مواطن رحمهم الله وتقبلهم في الشهداء، لذلك وجب التنبيه لضرورة الاستعداد لمواجهة السلالات الجديدة بنسخها المختلفة، وتوجيه ضربة استباقية إليها قبل أن تصل حدود بلدنا وتتسبب بنشر الفوضى والذعر، الإجراءات الحالية غير مبشرة وتنبئ عن تهاون واستهتار وعدم شعور بالمسؤولية، الحمد لله على السلامة فلازال أغلب القرى الداخلية خالية من كورونا، لكن ذلك لا يمنع انتقالها إليهم وربما عبر طواقم التدريس العائد أغلبهم من نواكشوط ومناطق ينتشر بها الوباء ولم تجر لهم فحوص للتأكد من سلامتهم فلازالت سياسة اللامبالاة هي السائدة، لذلك أرجو أن تكون هذه المقالة مقالة إعذار وإنذار فيتنبه المسؤولون لخطورة الوضع وينهضوا من سباتهم العميق لتدارك الأمور وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ونكون بلغنا ما علينا ولله الأمر من قبل ومن بعد والحمد لله على كل حال، فلم نبلغ إلى الآن عن إصابة في صفوف التلاميذ والعاملين في الحقل التربوي وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى وعظيم ألطافه.