إرتفاع الأسعار وإستراتحية الحل،/ د.محمد الأمين شريف أحمد.

نعيش منذ بعض الوقت على، ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية ومواد البناء، يعود السبب فيه إلى عوامل خارجية، ومهما كانت الأسباب والدوافع التي خلقت هذا الواقع، فإن الطبقة الهشة والطبقة المتوسطة في المجتمع تبقى هي من يتحمل العبئ الأكبر من تداعيات هذه الأزمة، لأنها تمثل غالبية المستهلكين، ومن المعلوم في علم الاقتصاد أن تكلفة السلعة الأجمالية، و الأرباح التي تضعها سلاسل الموزعين ترحل على كاهل المستهلك النهائي.
واقع ارتفاع الأسعار هذا زاد من صعوبة المعيشة، و شكل ضغطا أكثر على الطبقات الهشة، والمتوسطة التي كانت تعاني من وضعية معيشة صعبة، بسبب تراكم نتائج السياسات الاقتصادية السابقة، من تدني للدخول، وارتفاع معدلات البطالة، وغياب دور فعال لهيأة حماية المستهلك، وتخبط سياسات التدخل المعدة لموآزرة ذوي الدخل المحدود، واقع، ضاعف من صعوبته، الإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا، وحظر التجول الليلي، الذي قاسى من تداعياته، أهل الحرف الصغيرة والمتوسطة.
واقع قاسي، تنبه رئيس الجمهورية لخطورته، وطلب من الحكومة في اجتماعها الأخير التشخيص و معرفة الأسباب، وتقديم الحلول المناسبة، والتي من شأنها، حماية الطبقات الهشة والمتوسطة، من آثار ارتفاع الأسعار، و إنهيار القدرة الشرائية.

لمواجهة هذه الوضعية القاسية على المواطن يجب، وضع استراتجية، تستوعب الظرف الحالي، و تحتاط، لتثبيت الأسعار في مستوى متناول الطبقات الفقيرة والمتوسطة،على المدى المتوسط، والبعيد. ومجموع الإجراءات المقترحة من الأفضل أن يكون، تنفيذها تحت الرعاية السامية لفخامة لرئيس الجمهورية.

أولا: حزمة الإجراءات الاقتصادية على المدى القصير.

يتعين على الحكومة، أن تبادرة إلى حزمة من الإجراءات الاقتصادية السريعة و الناجعة، من خلالها، تساهم في حصول ذوي الدخل المحدود، على المواد الاساسية بأسعار مناسبة. ومن بين هذه الإجراءات:

1- الإعانات المباشرة
على مؤسسة تآزر و مفوضية الأمن الغذائي، والهيآة الحكومية الموازية، العمل على إصال على جناح السرعة، المواد الغذائية، الضرورية، للطبقات ذات القدرة الشرائية المنخفضة، وأن يتم توزيع المساعدات الغذائية بشكل عادل، وبكميات معتبرة، لأن هذه المساعدات، تقلص من الطلب الإجمالي على المواد الغذائية، مما يدفع التجار إلى تخفيض الأسعار بشكل تدريجي. إلا أن إجراء المساعدات المباشرة، يجب أن يكون مؤقت، والعمل بدل ذلك على توفير فرص العمل.

2 - المساهمة الضريبية و الجمركية:
من بين الأعباء المرحلة على كاهل المواطن العبء الضريبي، و الأقساط الجمركية، ويلعبان دورا مهما في معادلة الأسعار، ويمكن أن يساهما في تراجع الأسعار، إذا تم العمل على تخفيضهما، بشكل مدروس. وفي ظل هذا الظرف، فإن تخفيض الضرائب و الجمركة على المواد الغذائية، ومواد البناء، يبقى مطلبا ملحا، لكن يجب العمل على أن تصل نسبة التخفيض إلى جيب المواطن، لا أن يراكم بها الرأسمالي ربحه، كما يجري في مثل هذه الحالات.

3 - العمل على تخفيض أسعار المحروقات
من بين عناصر التكلفة التي ترحل على ثمن السلعة، تكلفة النقل، وأي تغير على سعر المحروقات، يكون له أثر فوري على ثمن السلعة، مما، يتطلب مراجعة، لأسعار المحروقات، تصب في صالح تراجع الأسعار، وبخاصة أسعار المواد الغذائية. ويعتبر، هذا الظرف الحالي مناسبا لمثل إجراء تخفيض أسعار المحروقات، من أجل المساهمة في تخفيف أعباء المعيشية على المواطن.

4 - التوسع في تجربة حوانيت أمل
إن فكرة إنشاء حوانيت أمل، فكرة وطنية، ولها بالغ الأثر في مساعدة الطبقات الأكثر هشاشة في المجتمع، فبالإضافة إلى أنها توفر المواد الأساسية بأسعار تتناسب ودخل هذه الطبقات الضعيفة، فإنها تخلق فرص عمل موازية، تساهم بقدر ما في إستعاب بعض العاطلين عن العمل، لكن في المقابل تشوبها شبهات فساد. مما يتطلب جهاز رقابة متخصص وفعال.
وفي ظل هذه الموجة من ارتفاع الأسعار يبقى من الضروري، وبشكل سريع. أن تعمل هيئة تآزر، و مفوضية الأمن الغذائي، على فتح أكبر عدد ممكن من حوانيت أمل و السهر على تموينها، بالمواد الأساسية، و عرضها بنفس الأسعار السابقة، لأنها أسعار، في متناول الجميع.

ثانيا: حزمة الإجراءات الاقتصادية على المدى المتوسط والبعيد.

على الحكومة، أن تظل يقظة، ومستعدة لمثل هذه الحالات، وأن تراقب، بشكل جدي التقلبات العالمية للأسعار، أسبابها، مدى تأثر الاقتصاد المحلي، بهذه العوامل الخارجية، وأن تعد خطة على المدى المتوسط والطويل، تحرر بها الاقتصاد الوطني من تقلبات الأسواق الدولية، ومن بين الإجراءات التي قد تساهم في بناء هذه الاستراتيجية ما يلي:

1- زيادة الرواتب

العمل على رفع الرواتب، وبخاصة رواتب ذوي الدخل المنخفض والمتوسط في سلم هرم رواتب الوظيفة العمومية، إجراء ضروري، فالراتب هو الوسيلة الأهم للموظف، لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار وإرتفاع معدلات التضخم، مما يفرض على الحكومة، مراجعة كتلة الرواتب، بين الحين والآخر، والعمل على وضعه في حالة تمكن الموظف من العيش الكريم. ومن المطلوب، مراقبة ظروف عمال القطاع الخاص، و العمل مع أرباب العمل على وضعهم في ظروف عمال القطاع العام، على أقل تقدير.
ونظرا لأن إجراء زيادة الرواتب يتطلب التحضير، ورصد المبالغ التي ستغطى حجم الإنفاق المطلوب، تمت الإشارة إليها، في حزمة الإجراءات المتوسطة والطويلة المدى.

2- العدول عن تصفية سونمكس

إن انشاء مؤسسة عمومية للإيراد والتصدير، تابعة للجهاز التنفيذي، لها جوانب إجابية عديدة، فهي تعمل على توازن السوق المحلى، و تعمل على توفير المواد الأساسية بأسعار مناسبة لأن هدفها غير ربحي، غير أن دورها التقليدي، لا يمكن أن تقوم به على النحو المطلوب، في ظل الاتفاقيات المبرمة مع المنظمة العالمية للتجارة، و النظام الرأسمالي المسيطر على تنظيم الاقتصاد العالمي، والذي يحارب تدخل الدولة المباشر في الاقتصاد.
لكن يبقى إنشاء، مؤسسة عمومية، تعمل على توازن السوق، عن طريق مختلف الآليات المتاحة، مطلبا وطنيا، يجب العمل على تنفيذه، على المدى المتوسط والطويل، فلا يعقل أن يترك المواطن فريسة لأطماع التجار التي لا حدود لها.

3- الزراعة.
إن خيار الزراعة، يبقى هو الخيار المثالي، والمناسب، لبلد مثل موريتانيا، يتمتع بمقومات هائلة، في المجال الزراعي، وهي وحدها التي يمكن أن تستوعب أكبر قدر ممكن من العاطلين، وتوفر لمن يعمل في المجال الزراعي، دخلا مرتفعا، بالإضافة، إلى أن الوصول لأهداف الأمن الغذائي، لا يمكن أن يتم، إلا عن طريق تأمين زراعة محلية ناجحة، قادرة على تموين السوق المحلي، وعلى المنافسة في السوق الأقليمية والعالمية، مما يساهم في تمويل الميزانية، بنسبة معتبرة.

4- استراتجية وطنية لمكافحة الفقر و تشغيل الشباب والعاطلين العمل.

لا تزال الاستراتيجيات التي تم التنظير لها، والعمل بها، عاجزة عن إستعاب الأعداد الكبيرة و المتزايدة، من العاطلين، مما يحتم على الحكومة أن تقيم ما تم من عمل في هذا الإطار، تقيما علميا وموضوعيا، وتقترح استراتجية وطنية، قوامها اعتمادها على المقدرات الذاتية، الكبيرة في مجالات عديدة على سبيل المثال لا الحصر الزراعة، الصيد، قطاع التعدين، والسياحة. و تنظيم قطاع الخدمات....مجالات عديدة، وكثيرة ومتنوعة، قادرة على إستعاب، هاؤلاء العاطلين، وخلق طبقة منتجة، قادرة على الدفع بالاقتصاد الوطني إلى مراتب متقدمة.

هذه أدوات إقتصادية متاحة، من بين أدوات عديدة أخرى، للتصدي لموجة ارتفاع الأسعار التي نعيش الآن.

لكن هذه الإجراءات، وغيرها لن تؤتي أكلها مالم يكن القائمون عليها، وطنيون، أصحاب ضمائر، وكفاءة، صارمين في التنفيذ، ويكون فوق الجميع جهاز رقابة متخصص، قادر على التدقيق، في النفقات والصرف، من ذوي الكفاءة و الوطنية، يتمتعون بصلاحيات كاملة.

شرط الإصلاح الكادر البشري المتخصص، من أهل الكفاءة والنزاهة. فلن يستقيم الظل. والعود أعوج.

والله من وراء القصد.
د محمد الأمين شريف أحمد.

أحد, 24/01/2021 - 14:39