افتتاحية العدد 40 من صحيفة مغاربي:ثورة الربيع الموريتاني / العميد حسن عثمان المدير الناشر

في مشهد مغاربي تعلو فيه حناجر غاضبين يسدون الشوارع في تونس والجزائر وأزيز مدافع تسد الأفق في ليبيا، تبدو موريتانيا قادمة من أفق بعيد لتبشرنا بقيام حكامة جديدة تليق بزمان الباحثين عن غد أفضل في ديار شنقيط. 
ويبدو أن الرأي العام المغاربي لا يلقي بالا للدرس الموريتاني الذي لا يتردد صداه في المحاظر  وصفوف الدراسة  وقاعات المحاضرات في جامعة نواكشوط وإنما يمشي حيا بين الناس في الأسواق المكتظة وجلسات السمر الليلي الطويل.
وبقدر ما تتعدد طرائق توصيف هذا الدرس، الا أن ما لا يمكن الخلاف حوله هو تعلق جوهره بإصحاح الديمقراطية وإعادة إحياء الوعي الجمعي بقواعدها وطرق اشتغالها في بلد يراهن على المستقبل باقامة دولة المواطنة خارج السياقات المألوفة لدولة الخيام القبلية والثكنات العسكرية المغلقة على أسرارها وخصوماتها المميتة.
فبعد تداول سلس للسلطة ،في بلد كان ينام على انقلاب ويصحو على آخر، لم يكن أمام موريتانيا من طريق غير ما تسلكه الآن وهي ترسي أولى دعائم التحول الديمقراطي الحق بربط المسئولية بالمحاسبةبدءا بقمة الهرم السلطوي على طريقة الرئيس الآسيوي الذي اهتدى الى أن محاربة الفساد، كما هو تنظيف الدرج، لا يمكن أن تبدأ إلا من الأعلى. 
واذا كانت موريتانيا قد تمكنت أخيرا من اجتياز الصراط بعد صراعات مريرة ومقارعات قانونية طويلة حول حدود الحصانة الرئاسية، فالأرجح أنها نجحت في اقرار سياسة العلاج بالكي لأن مستقبل البلاد أجل شأنا من أن يبنى على المجاملات والصفقات الصغيرة وحسابات التوازن القبلي المقيت. 
وبالطبع فان هذا التحول الجسور من دولة القبيلة وسمار الليل المشمولين برضا السلطة الى دولة المواطنة التي يستوي فيها ساكن القصر وساكن خيمة في العراء سيخلف وراءه كثيرا من الصدمات والجراح والغبن ولكنه سيبشر ، قبل ذلك ، بميلاد موريتانيا جديدة وجديرة بالانتماء الى تاريخها ومستقبلها. أما حاضرها فهو ما تصنعه الآن بجسارة غير مسبوقة وهي تعاني آلام مخاض دولة المواطنة فعلا لا قولا تذروه الرياح.
وسيظل الفارق ،في الاستثناء الموريتاني الفريد، أن ربيعا عربيا جديدا لم ينطلق من الشارع محمولا على أجنحة الهتافات الثورية والأحقاد الطبقية وإنما تنزل برفق من فوق ليضع ركائز دولة مواطنة جديرة بالتقدير والاحترام ، وليعلنها ثورة تأسيس في وقت تكاثرت فيه ثورات الهدم والشقاق والهرطقات  الفكرية الفاسدة.
ولعلنا لا نملك في آخر الحساب إلا أن نقول:
مرحبا بموريتانيا القادمة من أفق مغاربي سنظل نحلم به وننشده رغم الصعاب وفساد الوقت والعراقيل المصطنعة.

ثلاثاء, 16/03/2021 - 23:44