الوئام تنشر النص الكامل لخطاب وزير الثقافة خلال افتتاح منتدي نواكشوط الاول للشباب

بسم الله الرحمن الرحيم 
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين 

أيها الحضور الكريم؛
نلتقيكم اليوم على بساط الطموح والأمل والإرادة؛ بساط الشباب؛ حيث كانت القدرة دائما على تجاوز العقبات والمطبات وخلق الفارق؛ حيث تواتَر التاريخ على عديد الحكايات والروايات المجمعة على أن الشباب ما أعجزه شيء أبدا.
إن تاريخ البشرية ممتلئ بالأساطير عن الشباب وعن ما قدموه عبر هذا التاريخ، وفي ظروف مختلفة تماما، وتحت إكراهات لا حد ولا حصر لها.. ليس من المبالغة القول إن الحضارة البشرية مدينة ـفي الكثير من تفاصيلهاـ لهذه الفئة؛ فئة الشباب.

شبابنا المحترم،
لقد حمل الشباب -تاريخيا- راية البناء والتنمية؛ حملوها عبر كتبهم وسيوفهم ومناجلهم.. فكانوا الفلاسفة وكانوا الفرسان وكانوا المزارعين، ولم تخل محطة من محطات الإعمار الحضاري من دور لهم مشهود، كل محطات البناء البشري كانت شاهدة على محورية هذه الفئة.

فهذا الصحابي الجليل أسامة بن زيد يُتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش به كبار الصحابة، من أمثال أبي بكر وعمر، وهو شاب لا يبلغ العشرين، وذلك الفتى الأموي عبد الرحمن الداخل، يفر بدمه من سيوف وسهام أعدائه؛ ليؤسس واحدة من أجمل وأزهى الدول التي عرفتها أوربا في تاريخها الوسيط.
أما القائد طارق بن زياد فقد استطاع أن يجتاز البحر الأبيض المتوسط، ليفتح الجزيرة الأيبيرية وهو في الثلاثين من عمره. 
و هذه الفتاة الأفريقية "باربرا روز جونز" ذات التسعة عشر عاما ترغم المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية على إقرار قانون يعتبر أن المدارس المنفصلة (التي تفصل الطلاب حسب لون بشرتهم) مدارس غير شرعية. 

شبابنا المقدر،

لم يكن الشباب في هذه الأرض إلا امتدادا لما سبق؛ فهذا الأمير المجاهد سيد أحمد ولد أحمد عيدة يقض مضاجع المستعمر قبل أن يبلغ العشرين من عمره، وهذا الأمير عبد الرحمن ولد أسويد أحمد يشارك معارك المقاومة وهو فتى لما يبلغ الحلم. 
وقد بدأ الحاج محمود با رحلة حجه، التي ستقود في النهاية إلى تأسيس مدارس الفلاح؛ بدأها وهو في ربيعه العشرين؛ أما الشاعر ول محمدي، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، فبالكاد عاش ثلاثين سنة.

حضورنا المحترم،
إننا نملك -من خلال نسبة الشباب بعالمنا- ثروة هائلة، حين نضعها في نصابها؛ ففي العالم العربي تربو نسبة الشباب على الثلاثين في المائة، وهو ما يمثل رأس مال هام؛ وإن كانت النسبة عندنا في موريتانيا تزيد على 65% وهي أرقام كبيرة، خصوصا حين نقارنها بالأرقام العالمية؛ إذ لا تتجاوز نسبة الشباب في العالم 18%.

إن هذا المعطى الديمغرافي يضعكم معشر الشباب أمام مسؤوليات إضافية؛ إنه يضيف أعباء أخلاقية إلى الأعباء التاريخية.

أيها الجمع الكريم،
نَعِي أن عديد الصعاب والتحديات اليوم تعترضكم، بدءا من تهديد مخاطر عصابات الجريمة المنظمة، التي تتربص بكم الدوائر؛ حيث تعتبرون فريستها الأهم وصيدها الأغلى؛ لأنكم الهدف والوسيلة في ذات الوقت، وليس انتهاء بالتأثيرات الاقتصادية التي أملاها هذا الوباء اللعين (كوفيد 19).
إن عصابات المخدرات وعصابات الإرهاب لا يعولون على فئة في تسويق بضاعاتهم الفتاكة والمدمرة أكثر من فئة الشباب، تلاحظون ذلك حين تعمقون البحث في الأرقام المتعلقة بضحاياهم، فغالبية ضحايا الإدمان شباب، وذات الشيء بالنسبة لضحايا الإرهاب والتطرف؛ إذ تشير بعض التقارير والإحصائيات إلى أن نسبة الشباب بين المدمنين على المخدرات، تتجاوز 65% بينما تقترب نسبة الشباب داخل المجندين للإرهاب من 70%.
يضاف إلى ذلك ما خلفه كوفيد 19 من آثار اقتصادية على الشباب، إذ ترك -حسب الإحصائيات- 267 مليون شاب خارج التعليم أو العمل أو التدريب.

أيها الشباب المحترمون؛
رغم كل هذه التحديات، يبقى مصير عالمنا منوطا بوعيكم وجهودكم وإرادتكم؛ فلتشدوا الأحزمة ولتغذوا السير من أجل تنمية بلدانكم وشعوبكم.. إنكم مدعوون لمزيد من التصدر والفعالية في الشأن العام؛ إذ آن لكم أن تأخذوا مواقعكم في السياسة وفي الاقتصاد؛ بل وفي ريادة المجتمع، بغية تسريع قطار التنمية، وبسط الديمقراطية والأمن والاستقرار والعدل.
إن وعيكم وإرادتكم كفيلان بتغيير كل الموازين، وخلق فضاء مغاير، تتعزز خلاله ثقافة المواطنة، وتسود التنمية والديمقراطية، وتنحسر كل المفاهيم السلبية، التي عرقلت قطار تنميتنا ردحا من الزمن، وتنهزم كل قوى الشر؛ من عصابات جريمة منظمة إلى الأوبئة والفقر والجهل. 

حضورنا المحترم، 
إننا نوجد أمامكم اليوم وفق شراكة استراتيجية بين وزارة الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو) تلك الشراكة القائمة على أساس العمل معا من أجل الأهداف المشتركة؛ أهداف نشر الفعالية والإيجابية، ورفع وتيرة التنمية.
إننا واثقون أنه من خلال صدق الشريكين وإخلاصهم لأهدافهم المشتركة، ومن خلال طاقاتكم وطموحكم ووعيكم سنذلل كل الصعاب، وسننفذ كل أهدافنا وطموحاتنا.

جمعنا الكريم،
مثّل الشباب أولوية الأولويات في برنامج فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني؛ حيث مثل الاعتناء به (تعليما و تكوينا وتشغيلا و ترفيها) السمة الأبرز لتعهداتي، وخلال السنتين المنصرمتين تمت تعبئة موارد عمومية كبيرة من أجل ذلك، واستحدثت برامج و مشاريع وخلايا عديدة، وبذلت جهود في التخطيط والتنفيذ والمتابعة معتبرة؛ بغية توفير الظروف المناسبة لترقية الشباب الموريتاني آتتْ نتائج جيدة بكل الصُّعُد والاتجاهات، والأمل معضد بالعمل في أن تتسارع وتيرة تحقيق الأهداف خلال السنوات الثلاث المقبلة سبيلا إلى التحقيق الكامل لتعهدات فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني.

إننا -في الجهاز التنفيذي لفخامة رئيس الجمهورية- مقتنعون بأن الاستثمار في الشباب وفي كل متعلقاته هو وحده الكفيل بتجاوز كل العراقيل والمطبات التنموية، وذلك للاعتبارات الكمية والكيفية معا؛ إذ يمثل الشباب القوة الحية القادرة على العمل وعلى العطاء وعلى الإبداع؛ كما يمثل الأغلبية الساحقة من بلدنا الذي يعتبر بلدا شابا، وتلك نقطة قوة لدينا لو استثمرناها مثلما ينبغي؛ لأن الشباب وحدهم القادرون على رفع وتيرة السرعة التنموية.

أيها الحضور الكريم؛
إن التحديات اليوم -بعد كوفيد 19- باتت أكبر، وبات الأمل عليكم أكثر، فبعد الانخفاض الملموس للناتج العالمي، وبعد فقدان الملايين لوظائفهم.. أصبح الأمل المبني على قدراتكم وطموحاتكم ألحَّ وأعمق.
إن العالم -اليوم أكثر من أي وقت مضى- يضع الكثير من آماله وطموحاته على طاقاتكم وعلى ابتكاراتكم وعلى حيويتكم فليس من المناسب أن تخذلوه.. ورغم وعينا العميق بصلابة التحديات التي تواجهكم، فإن ثقتنا -أيضا- في قدراتكم لا تعرف الحد.

إننا لا نكتفي بحثكم على شد السواعد، وبذل الجهود؛ ولكننا نبسط أيادينا إليكم بكل ما نملك من وسائل وطاقات، ونؤكد لكم أن آمالنا عليكم عريضة، وأن طموحنا بكم كبير.. حين تحملون راية التنمية سنكون -بكل تأكيد- أمام معطى أخر، إننا نراهن على ما تملكون من وعي وإبداع.. وإننا -أيضا- متيقنون أن المراهنة على هذه الطاقات وهذه الإرادة مكسوبة لا محالة.

 حضورنا الكريم، 
نعكف على وضع استراتيجية وطنية -بالتعاون مع الشركاء- تحمل عديد الطموحات تجاه التحديات الشبابية التشغيلية والترفيهية؛ إذ ستشمل هذه الاستراتيجية برامج وطنية تطوعية معوضة؛ بمعنى أن الأمر يتعلق بشبه تشغيل، إضافة إلى إنشاء العديد من الفضاءات الشبابية؛ تشمل مرافق رياضية ومرافق ثقافية بكل ولايات الوطن.

وختاما، أشكر كل الحاضرين على ما يبذلون من جهود من أجل رفع التحديات التي تواجه شبابنا، وأذكرهم -مرة أخرى- بحاجتنا إلى مزيد الجهد من أجل تنفيذ الاستراتيجيات والخطط والسياسات الداعمة للشباب ولطموحه.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سبت, 06/11/2021 - 12:09