أشرف وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان، الناطق باسم الحكومة، السيد المختار ولد داهي، الليلة البارحة، على اختتام فعاليات مهرجان مدائن التراث في نسخته العاشرة المنظمة في مدينة وادان التاريخية، وذلك رفقة والي آدرار حدادي أمبالي ياتيرا.
وقال الوزير في كلمة ختامية: "يسرني ويشرفني أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم العرفان لأسلافنا العظماء، على ما قدموا من تضحيات وما واجهوا من تحديات وما تسلحوا به من إيمان وعزيمة وإرادة ليصنعوا تاريخ أمتنا ومفاخر أجيالنا التي نقف اليوم على بعض إعجازاتها".
وعبر الوزير عن خالص شكره لساكنة وادان على دورها المشهود في نجاح هذه النسخة من مدائن التراث، مبينا أن وادان استقبلت ثلاثة أو أربعة أضعاف سكانها الذين آووا وآثروا وأكرموا وأحسنوا".
وقال الوزير: "إن الحضارة كيان شامخ ومهيب من التفاصيل الدقيقة، قصر ومئذنة وكتاب وسيف ومسكن ينسج عبر التراكم من كل أحجام الحجارة والحشائش والطين والمداد والقرطاس والحديد، تتكامل دعائمه وتتوزع أثقاله بتساو بين كل مكوناته، بين كل الذين عاشوه وصنعوه".
وأضاف:" لذلك حين نتقدم بالامتنان لأسلافنا، فنحن نعني أسلافنا كلهم، نعني من حملوا الحجارة وشذبوها، ومن تقرحت أياديهم في جث الحشائش، وعركت أقدامهم الطين، وأرهقت أذهانهم تفاصيل الهندسة".
واوضح الوزير أن الموريتانيين شيدوا كل هذه الصروح بشقيها المادي والمعنوي وساهموا في إثراء الموروث العالمي باسهامات متميزة ومعتبرة، ونحن ممتنون لهم كلهم.
وأضاف:" نحن ممتنون للفلاح الذي قهر الأرض وشيد السدود وزرع الواحات وشق الطرق وحفر الآبار وقهر الطبيعة وغلظتها ليؤمن بقاء، أمتنا وقرارها، وليؤمن لنا ذكرا بين أمم التراث والحضارة".
واستطرد الوزير: "ممتنون للحرفي الذي مدنا باللوح والسلاح والفأس والمنجل ونحت الرحى والراحلة، واستطاع أن يتحف أمتنا بكل حاجاتها من الأدوات، معتمدا على ذكائه وإبداعه وبوسائله البسيطة لتؤمن عبقريته الأمة، فجهز الفرسان بالسلاح والبيوت بكل أدوات العيش".
وقال إننا "ممتنون للرعاة الذين صبروا على مواجهة التحديات لتأمين البقاء لأجيالنا، وممتنون لعلمائنا وشيوخنا وطلابنا وممتنون لأسرهم ولتفرغهم لطلب العلم والتأليف والدعوة ورفع الآذان من فوق المنابر وتذليل العلوم على المحابر وإقامة الدرس على المنابر، ممتنون لهم وهم يضعون حواضرنا في الطابور إلى جانب سامراء والبتراء وتدمر وقرطبة ومراكش".
وأضاف:"ممتنون لأمهاتنا المصابرات المجاهدات اللواتي حملن وأرضعن وربين، فعمرت الأرض بالحجارة والزراعة والعلم والإيمان".
وأوضح وزير الثقافة أن هذا التكامل شكل اللبنة الأهم والأجمل في صرح تاريخ أمتنا وساهم بدور لم يكن من غنى عنه لتسهيل الأدوار الأخرى، معبرا عن امتنانه لذلك التكامل بهذا الأرث العظيم.
وقال:" لقد بذلنا كل الجهد واستتفدنا كل الطاقات من أجل أن تكون النسخة العاشرة من مهرجان مدائن التراث، عصارة لكل إيجابيات سابقاتها، ومختبرا لتصحيح كل اختلالاتهم، حيث عبأنا كل طاقاتنا البشرية والمادية ووصلنا الليل بالنهار، لكننا ندرك أننا في النهاية بشر، وأن جهدنا نسبي محدود، وأننا أيضا هيأنا في ظرف غير طبيعية بالمطلق، حيث كانت جائحة كورونا تخيم بظلالها الصحية والاقتصادية والنفسية علينا وعلى العالم أجمع".
وأوضح أن هذه النسخة تميزت بخطاب رئيس الجمهورية الذي قدر وحرر وأنذر، قدر الخلل المجتمعي من دون تهويل ولا تهوين، وهو خلل تواترت الشروط والأشراط لتصحيحه عبر تصحيح القاموس الموريتاني من الأسماء والمصطلحات الخادشة لكرامة الإنسان، مبينا أن الخطاب حرر أن لاعاصم من كل الانحرافات والاختلالات إلا الدولة الوطنية وأنذر كل من تسول له نفسه استسهال كرامات الأشخاص، بأن القانون سيكون له بالمرصاد.
وبين الوزير أن هذه النسخة تميزت كذلك بتنفيذ برنامج تنموي ناف على 3 مليارات من الأوقية القديمة، انفقت حصريا في مشاريع تنموية كانت تشكل مطالب وأولويات السكان والمنتخبين، مبرزا أنه بفضل مدائن التراث فإن المستوى التنموي والخدمي لوادان هو من أحسن المستويات التنموية والخدمية لكافة مقاطعات الوطن.
وأضاف: "لقد تميزت نسخة مدائن التراث أيضا بالحضور ثقافيا وفنيا لموريتانيا كل موريتانيا، على اختلاف الألسنة والأعراق والألوان والمدارس والمشارب، سواء كانوا من المدعوين من المدن القديمة أو من الذين جاءوا ليشهدوا منافع لهم".
وقال الوزير إن نسخة مدائن التراث تميزت كذلك بسابقة سارة من فخامة رئيس الجمهورية تمثلت بتوزيع مبلغ (36) مليون أوقية قديمة على كافة المشاركين بمعرض مدائن التراث.
وجرت فعاليات السهرة الختامية بحضور حاكم مقاطعة وادان وعمدة بلديتها ونائبها البرلماني والأمين العام لوزارة الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان وعدد كبير من رجال الفكر والثقافة والسواح الأجانب والسلطات الإدارية والأمنية في الولاية وجمع غفير من المواطنين.