افتتاحية الوئام الوطني : خطابان أسسا لجمهورية جديدة قائمة على العمل كمحدد أساسي لقيمة الفرد، وعلى التملص من العقليات والمرويات البائدة المتعلقة بثقافة الاستعلاء والأحكام النمطية. إنهما خطابا رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في الشامي بمناسبة تدشين مشروع مندمج للتعدين الأهلي وشبه الصناعي، وفي وادان بمناسبة تنظيم مهرجان مدائن التراث.
في خطاب الشامي، اعتبر رئيس الجمهورية أن المنقبين "مواطنون نبذوا الكسل وبذلوا جهودا مضنية لاستخراج ثرواتنا بسواعدهم"، وأن مثل هذا الأمر "يستحق الإشادة والتثمين"، لأن القائمين عليه "نموذج للتضحية والتضامن".
إنها كلمات جد معبرة، توحي بأن رئيس الجمهورية يدفع المواطنين إلى العمل لأنه وحده القادر على تغيير ظروف البلاد، ولأن ثقافة الكسل تقتل المواهب وتفسد الإرادة وتخلق الانسان التابع الذي لا رأي له. لذلك فالعمل يمنح للإنسان قيمته وحريته واستقلاليته، لكنه أيضا يعتبر مساهمة لا غنى عنها في موازين الاقتصاد، وهو ما نبه إليه رئيس الجمهورية بقوله ان "المنقبين خلقوا، بإرادتهم وبسواعدهم، قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني، مثلت عامل توازن وعامل استقرار وعامل إعمار كان بلدنا بحاجة إليه". وهكذا يعطي الرئيس إشارة الانطلاق لإصلاح آخر، يتعلق هذه المرة بالعمل لأنه هو وحده المسؤول عن نجاح أو فشل الأمم، وهو وحده المسؤول عن تقدم أو تأخر الأمم، وهو وحده المسؤول عن بناء الإنسان الواعي، المستقل، صاحب الإرادة الحرة.
وفي خطاب وادان، بلغ خطاب ثورة الإصلاح أبعد مدى، لأنه تناول، لأول مرة في تاريخنا، العقليات الفئوية والشرائحية والقبلية التي لم تزل عائقا حقيقيا أمام تقدمنا وأمام لحمتنا وأمام مساواتنا في قيم المواطنة والإنصاف.
إن المستهدفين بخطاب الكراهية والدونية هم، رغم كل ما يوصفون به، بُناة الماضي الذين سهروا على ديمومة المجتمع بجهدهم البدني والذهني، لذلك قال رئيس الجمهورية بأن وادان "استطاعت، على مدى حقب متتالية، أن تكون مركزا اقتصاديا نشطا وجسرا واصلا شمال إفريقيا بجنوب الصحراء الكبرى بفضل القدرات الإبداعية الفائقة لأبنائها القائمين على مختلف الخدمات من صناعة تقليدية وتنمية حيوانية أو زراعية وتشييد عمراني". القائمون على هذه الخدمات ينتمون بالفعل إلى فئات مظلومة في ثقافة الاستعلاء رغم أنها "هي التي مكنت من قهر الظروف الطبيعية القاسية، ولو لا جهودها الأسطورية ما تشكلت المدينة أصلا وما استطاعت البقاء والصمود في وجه عاديات الزمن" على حد تعبير رئيس الجمهورية في خطابه التاريخي.
ثم عبر رئيس الجمهورية، في نفس الخطاب، عن حزنه الشديد لما لحق بهذه الفئات من ظلم اجتماعي وثقافي ومن نظرة سلبية "مع أنها، في ميزان القياس السليم، ينبغي أن تكون على رأس الهرم الاجتماعي فهي في طليعة بناة الحضارة والعمران وهي عماد المدنية والابتكار والإنتاج". قبل أن يطالب بتطهير "موروثنا الثقافي من رواسب ذلك الظلم الشنيع والتخلص نهائيا من تلك الأحكام المسبقة والصور النمطية التي تناقض الحقيقة وتصادم قواعد الشرع والقانون وتضعف اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية".
وهكذا إذن، فإن تشييد ثقافة العمل، والقضاء على ثقافة الاستعلاء الفئوي: فكرتان تعتبران، بحق، أهم لبنة في الإصلاح والنماء، لكن لابد من مصاحبتهما بحملات كبيرة لتعبئة النخب والجماهير على مضامين ودلالات وأهداف وآليات تطبيق هاتين الفكرتين الثوريتين.
وكالة الوئام الوطني للأنباء