فرنسا الجشعة لا تفهم.. فهل ستعرض منطقتنا لنسخة جديدة من "الحريق العربي"؟!!

فرنسا هي أكبر دولة كولونيالية على وجه الأرض، فهي إلى اليوم تمارس الاستعمار دون أن يكون هناك عبرة في الشكل لكن وفق المضمون .

لم تكتف فرنسا بأن ركبت موجة الاستعمار في القرن التاسع عشر واتخذت لها في كل قارة مستعمرات تقطع أوصال شعوبها وتزرع بداخلهم بذور الشقاء الأبدي بغرس مزارع سياسية واقتصادية لامتصاص رحيق تلك الدول تسقيها بالتبعية والإرتهان لمصالح الأمة الفرنسية على حساب تلك الشعوب. وهكذا أبقت سيادة 12 دولة تحت أقدامها تحتجز أرصدتها وودائعها وتتحكم في ميزان مدفوعاتها وميزانياتها وتطبع عملتها وتسير تجارتها واقتصادياتها وتخلق لديها العجز عندما تريد وتحتفظ ب 50%من احتياطياتها في بنكها المركزي بصفة دائمة وما يترتب على ذلك من أرباح تصل إلى 400مليار يورو تمثل دعما تلقائيا ودائما لخزينة فرنسا ب 1/5 من ميزانيتها البالغة 2000 مليار يورو دون عناء. وهكذا وخلف ستار العملة (الفرنك الغرب افريقي) ظلت فرنسا تتحكم في حياة تلك البلدان اقتصاديًا ولمدة عقود متتالية ولا تريد للوضع أن ينفك .

لم يقف الأمر هنا، بل جعلتها أيضا شعوبا ممسوخة في العمق ثقافيا ، وتابعة لها عبر لغتها كلغة أم حيث حولت اللغة الفرنسية إلى لغة ثقافة وتفكير وآداب ولغة معارف دون أن تترك أمامهم خيارا آخر بما في ذلك تطوير لغاتهم مثل باقي الشعوب في آسيا ، لكي تبقى منصهرة بصفة دائمة في الأمة الفرنسية (الانتماء للثقافة وللأمة الفرنسية ). ليس هناك أي بد من القول أن فرنسا تأخذ وزنها الدولي، سواء على مستوى تطوير لغتها ودعمها داخل الثقافة واللغات العالمية أو بالنسبة لترتيب اللغات، من هذا الوضع ، فلولا اعتماد لغتها من طرف 20 دولة كلغة رسمية لمًا كانت لها أي أهمية عالميا، ومع ذلك تحتل المرتبة 16 في العالم. 

لم تكتف فرنسا، مرة أخرى ضمن مسار الإذلال والسيطرة المجحفة التي لا تترك خيارا ولو من الناحية الأخلاقية، لهذه الشعوب التي شبت عن الطوق وأخذت من العلوم ومن التجارب العالمية الناجحة، أي فرصة للتعبير عن ذاتها وعن مقدراتها وإدارة أزماتها لذاتها بأن ظلت تسيطر على مواردها دون أن تأخذ من تقاليد الشركات الدولية الكبرى التي تدعم مشاريع اجتماعية وتدعم بنية الدول التي تعمل فيها وتدعم استقرارها وتسهم في محاربة الفقر فيها بأن تتخلى عن خلفية وطباع الاستعمار، بل ظلت تواصل الاستغلال المجحف لمعادن المنطقة مثل معدن ايمرورن للألمنيوم في النيجر وحيث تحتل فرنسا بواسطته المرتبة الأولى عالميا في صناعة اليورانيوم وتحتل النيجر باستنزافه الرتبة الأخيرة أو قبلها بعتبتين في العالم بالنسبة للفقر والأمية ولا تملك مدارس ولازراعة ولا قطاع صحة ….

فرنسا تضع اليد على دولة مالي كمنطقة من الخيرات هي من يحدد ويخلق ظروف وشروط استغلالها وتحدد من يجب أن يستغلها أو على الأصح من تريده هي أن يستغلها حسب الوقت الذي تريد وتضع لحماية ذلك جيشا قوامه 5000 جندي تصرف عليهم 780 مليون يورو أي مليار دولار سنويا في حين تعجز عن أن تدعم الخزينة المالية ب 100 مليون يورو مرة واحدة لدعم السلام ولا أي دعم لميزانية التنمية فيها ولا لتعمير الشمال من أصل عشر مليارات دولار تكلفتهم خلال وجودها على الأرض المالية، فلماذا لا تجرب فرنسا خيار التنمية والسلام ؟!!!

المقاربة الفرنسية في المنطقة مقاربة القوة والحرب والتأجيج، وليست مقاربة السلام والإحترام والإعتراف بتغير الظروف والوعي الاجتماعي والتطلعات السياسية والاقتصادية، ولا التوازنات على الأرض، وما تزال فرنسا مرهونة بقوة تدخلها في شؤون المنطقة كما كانت في الحقبة التي تلت عقود الاستقلال الماضية، فخلال تلك الفترة كان تدخل فرنسا في تغيير الأحكام هو الأبرز خلال هذا المسار، فقد أسست (مشروع فرانس آفريك France Afrique ) تحت يافطة الصداقة حيث كان خلية في الرئاسة الفرنسية (الإليزى ) مهمتها فرض الهيمنة الفرنسية على تلك المنطقة بتغيير الأنظمة كلما تطلبت مصلحتها ذلك ، ووضعت مؤسسة نفطية كبيرة تدعى ألف elf كذراع على الأرض لتنفيذ تلك العمليات.

كل العالم يعرف ذلك، وعندما رفعت اليد سنة 1989 بسبب الضغط الدولي والتوجه نحو الديمقراطية، قامت فرنسا بحل تلك البنية ( الخلية الرئاسية وغيرت إسم شركتها النفطية إلى نافتك Naftec )، لكن مالبثت فرنسا أن عادت لطبيعتها القديمة: "هذه الشعوب يجب أن لاتترك لها الفرصة في اختيار ساستها، نحن هم من يجب أن نفرض ذلك لكي نحافظ على المزايا التي أسسنا لها منذ قرن ونيف من الزمن". وهكذا لم تستطع وتيرة الانقلابات في القارة أن تهدأ، فخلال أربعة عقود كان هناك أكثر من 100 انقلاب ناجحة في افريقيا أي معدل 4 انقلابات سنويا، وكان إلى سنة 1980 هناك 43 دولة إفريقية يحكمها عسكريون، ثم تقلص العدد بعد موجة الديمقراطية وضغط الشعوب والنخب وانعطافة المجتمع الدولي إلى حماية الديمقراطية إلى أن وصل العدد ل 9 دول فقط يحكمها عسكريون عام 2001 ، وانخفض العدد عام 2019 ليقتصر على محاولتين فقط. ثم ارتفع العدد إلى 6 انقلابات في 2021 بعد فشل مقاربة الألفية التي أطلقتها الدول الكبرى، أي بزيادة سوء الحكامة وفشل الأنظمة في كسب رهانات التنمية والحرية والأمن ومن خلال قوة ضغوط رهانات وتحديات الفقر والبطالة والتهميش والمخدرات والتسيب المدرسي و الاضطرابات الاجتماعية وبدعم وحماية الأنظمة البالية التي تنتج الفساد وفشل القوى السياسية المحلية التي حلت محل العسكريين في الغالب وتحولها لنخبة فساد. 

فخلال سنة 2022 عادت الوتيرة للصعود، فهناك 19 رئيساً ينتمون إلى الجيوش الافريقية، أو حركات التمرد المسلحة التي ساعدتهم في الوصول للحكم، من أصل 54 دولة بالقارة.

 

فرنسا جاءت لطحن المنطقة بالقنابل وبالوضع الأمني المرتفع والحساس ، بينما يبحث الشعب المالي عن التنمية والأمان، وهكذا توجه لدول أخرى. لقد كشفت روسيا عن حسن نيتها وعن استعدادها لدعم التنمية في مالي وفي المنطقة الأمر الذي أغاظ فرنسا وهي تجثو على صدر الدولة المالية وتحسد الدعم الدولي لذلك المشروع الذي ضجر منه الماليون، وهكذا برزت نخبة داخل المؤسسة العسكرية تكن العداء لفرنسا، وليست هي الوحيدة في المنطقة ولا تعد ظالمة في تطلعاتها ومسنودة من طرف دولي آخر الأمر الذي يهدد مصالح فرنسا وأكثر من ذلك يستفزها، فهل نحن أمام استنساخ ربيع غربي جديد في الجزء الجنوبي من قارتنا: أي هل نحن أمام الصراع الدولي على خريطة الخيرات وإعادة انتاج حالة ليبيا وسوريا؟

 

محمد محمود ولد بكار

أربعاء, 02/02/2022 - 19:59