عرفت الوالد عبد الله الذاكر قبل واحد وعشرين سنة وعمري حينها لا يتجاوز عشر سنوات فتعرفت على رجل جمع صفات التقى والحلم والكرم
لا تسأل عن تقواه فقد كان يقوم حتى تحقر انت الشاب القوي صلاتك إلى صلاته وهو الكبير الذي دق عظمه وشاب رأسه وبلغ من الكبر عتيا .
كان يذهب إلى المسجد قبل الأذان فيقوم بتنظيفه ورمي الأوساخ عنه بيديه وكل ذلك بأريحية وبتفانٍ في خدمة بيوت الله تعالى.
ولقد رأيته مرات ومرات كثيرة يخطو إلى المسجد بخطوات متثاقلة -بسبب الضعف - في الهجير حين تكاسل كثير من الاصحاء عن ترك الركون إلى الراحة ...
أما قيام اليل فقد كان يقوم بعد صلاة العشاء حتى تقول لا يرقد ونادرا ما تراه بعد صلاة العشاء لان ذلك الوقت هو وقت الأنس بالله عند عبد الله الذاكر .
أما عن قراءة القرآن فمصحف عبد الله مثل هواتف اهل هذا الزمان لا يرفعون عنها أعينهم نادرا ما تراه الا تاليا ومطئطئا رأسه ينظر ويقلب صفحات المصحف وخاصة بعد الصلوات الخمس .
كنتُ أنظر إلى عينيه وهو يقرأ القرآن فو الله لقد رأيت الدموع تسيل على خديه دون أن يصدر صوتا ينبه من حوله وهذه هي دموع الخشية التي يخفيها صاحبها خوفا من الرياء .
كان عبد الله سيدا في منزله العامر كل الناس يعطي مما أعطاه الله ولا يسأله أحد إلا أعطاه وكأنه المعني بقول الشاعرة الخنساء :
فلم أر مثله رزءًا لجنّ * ولم أر مثله رزءاً لانسِ
فهو مصيبة كبرى يعزّي فيها الانس ويعزّي فيها الجنُّ .
كان في شبابه رجلا غنيا لا كالرجال يجتمع عنده الناس فمنهم الزائر ومنهم صاحب الحاجة وللكل ما طلب وكأنه المعني بقول الشاعر:
فترى بساحته الدماء وفرثها
ولقى العظام جديده ورميم
لم يغنه المير الكثير عن الغنى
كلا ورسل الكوم نحر الكوم
وقد اجتمعت فيه ميمان : الكرم والحلم .
كان كما قال Sidi Cheikh Sidi (بقية السلف الصالح )وقد وصفه بالصفة التي عرفته متصفا بها فالسلف الصالح هو الذي سار على طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم( الكتاب والسنة) وقد كان عبد الله الذاكر سائرا على الطريق متمسكا بالحبل المتين.
كانت لي درس في مسجد ام النور بالطينطان حيث كان المرحوم يصلي في مصلاه وكنت اذا قدمت قال (يا وني ال افلان ) ويهز رأسه ويتفاعل مع ما يسمع ويمسح دموعه احيانا تأثرا بالدرس واذا فرغت كان أول من يضع يده في يدي قائلا (ادعيلي بحسن الخاتمة ).
وقد كان آخر ما قاله أن نطق بالشهادتين صبيحة هذا اليوم ليخرج بها من الدنيا ويلقى بها ربه عز وجل .
فاللهم ارحمه وتجاوز عنا وعنه.