ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله تأكيده وحثه على تحسين الأخلاق في شهر رمضان، والتحلي بحسن الخلق، فقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «أيُّهَا النّاسُ، مَن حَسَّنَ مِنكُم في هذَا الشَّهرِ خُلُقَهُ كانَ لَهُ جَوازا عَلَى الصِّراطِ يَومَ تَزِلُّ فيهِ الأَقدامُ»[1] . وعنه صلى الله عليه وآله قال: «إنَّ شَهرَ رَمَضانَ شَهرٌ عَظيمٌ ، يُضاعِفُ اللهُ فيهِ الحَسَناتِ ويَمحو فيهِ السَّيِّئاتِ ويَرفَعُ فيهِ الدَّرَجاتِ ، مَن تَصَدَّقَ في هذَا الشَّهرِ بِصَدَقَة غَفَرَ اللهُ لَهُ ، ومَن أحسَنَ فيهِ إلى ما مَلَكَت يَمينُهُ غَفَرَ اللهُ لَهُ، ومَن حَسُنَ فيهِ خُلُقُهُ غَفَرَ اللهُ لَهُ»[2] .
وهذا يدل دلالة واضحة على ضرورة استثمار شهر رمضان المبارك في تحسين الأخلاق من خلال تهذيب النفس وترويضها على الأخلاق الحسنة، واجتناب الأخلاق المذمومة، وتعديل السلوكيات الخاطئة، وتحمل أخطاء الآخرين وإساءاتهم، فشهر رمضان مدرسة في التربية على التحمل والصبر والإرادة.
وأحسن الحسن في شهر رمضان وغيره التزين بحسن الخلق، كما قال الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): «إنّ أحسَنَ الحَسَنِ الخُلقُ الحَسَنُ »[3] .
وعن حَدّ حُسنِ الخُلقِ قال الإمام الصادق (عليه السلام): «تُلينُ جانِبَكَ، وتُطيِّبُ كلامَكَ، وتَلْقى أخاكَ ببِشْرٍ حَسَنٍ»[4] . فالتواضع، ولباقة الكلام، واستقبال الآخرين بوجه بشوش من أوليات حسن الخلق.
وعلى الصائم أن يدرب نفسه على ضبط انفعالاته، والتحكم في نفسه أمام مهيجات الغضب، وعليه أن يقول أمام من يخطئ بحقه: اللهم إني صائم!
فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «ما مِن عَبدٍ يُصبِحُ صائِما فَيُشتَمُ فَيَقولُ: إنّي صائِمٌ سَلامٌ عَلَيكَ، إلّا قالَ الرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالى لِمَلائِكَتِهِ: استَجارَ عَبدي بِالصَّومِ مِن عَبدي، أجيروهُ مِن ناري، وأدخِلوهُ جَنَّتي»[5] . وعنه صلى اللّه عليه وآله قال: «ما مِن عَبدٍ صالِحٍ يُشتَمُ فَيَقولُ: إنّي صائِمٌ سَلامٌ عَلَيكَ لا أشتِمُكَ كَما شَتَمتَني، إلّا قالَ الرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالى: استَجارَ عَبدي بِالصَّومِ مِن شَرِّ عَبدي، فَقَد أجَرتُهُ مِنَ النّارِ»[6] . وعنه صلى اللّه عليه وآله قال: «لا تُسابَّ وأنتَ صائِمٌ، فَإِن سَبَّكَ أحَدٌ فَقُل: إنّي صائِمٌ، وإن كُنتَ قائِما فَاجلِس»[7] . وعنه صلى اللّه عليه وآله قال: «الصِّيامُ جُنَّةٌ، إذا كانَ أحَدُكُم صائِما فَلا يَرفَث ولا يَجهَل، فَإِنِ امرُؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمَهُ، فَليَقُل: إنّي صائِمٌ، إنّي صائِمٌ»[8] .
إن شهر رمضان أفضل وقت لتدريب النفس على ضبط الانفعالات، وحبس النفس تجاه مهيجات الغضب، وتربية الذات على التحمل والصبر؛ فإذا استفزك أحد أو أساء إليك أو أخطأ بحقك فقل له: اللهم إني صائم!
ما أقَلَّ الصُّوّامَ وأكثَرَ الجُوّاعَ!
الصوم الكامل أن تصوم جوارح الإنسان وأعضائه عن ارتكاب المحرمات واقتراف الفواحش، فيغض بصره عن النظر إلى الحرام، ويسد أذنه عن استماع الأغاني والطرب واللهو المحرم، ويحجب لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب وقول الزور والبهتان.... وإلا فما الفائدة من امتناع شخص عن الأكل والشرب وهو لم يصم عن ارتكاب الموبقات والمحرمات الأخرى؟!
قالت السيدة فاطمةُ الزَّهراءُ عليها السلام: «ما يَصنَعُ الصائمُ بِصِيامِهِ إذا لَم يَصُنْ لِسانَهُ وسَمعَهُ وبَصَرَهُ وجوارِحَهُ؟!»[9] .
وروى الإمام الصادق عليه السلام قال: «إنَّ أبي عليه السلام قالَ: سَمِعَ رَسولُ اللّهِ صلى اللّه عليه وآله امرَأَةً تُسابُّ جارِيَهً لَها وهِيَ صائِمَةٌ، فَدَعا رَسولُ اللّهِ صلى اللّه عليه وآله بِطَعامٍ فَقالَ لَها: كُلي! فَقالَت: أنَا صائِمَةٌ يا رَسولَ اللّهِ! فَقالَ: كَيفَ تَكونينَ صائِمَةً وقَد سَبَبتِ جارِيَتَكِ؟! إنَّ الصَّومَ لَيسَ مِنَ الطَّعامِ وَالشَّرابِ، وإنَّما جَعَلَ اللّهُ ذلِكَ حِجاباً عَن سِواهُما مِنَ الفَواحِشِ مِنَ الفِعلِ وَالقَولِ يُفطِرُ الصّائِمَ. ما أقَلَّ الصُّوّامَ وأكثَرَ الجُوّاعَ!»[10] .
فرسول الله صلى اللّه عليه وآله علّمها درساً عملياً في معنى الصوم، عندما دعا لها بطعام لتأكل، فالصوم ليس فقط الامتناع عن الأكل والشرب، وإنما أيضاً عن الفواحش الأخرى.
يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «إنَّ الصِّيامَ لَيسَ مِنَ الأَكلِ وَالشُّربِ فَقَط؛ إنَّمَا الصِّيامُ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ، فَإِن سابَّكَ أحَدٌ أو جَهِلَ عَلَيكَ فَقُل: إنّي صائِمٌ»[11] . وعنه صلى اللّه عليه وآله قال: «مَن صامَ شَهرَ رَمَضانَ إيماناً وَاحتِساباً، وكَفَّ سَمعَهُ وبَصَرَهُ ولِسانَهُ عَنِ النّاسِ، قَبِلَ اللّهُ صَومَهُ وغَفَرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وما تَأَخَّرَ، وأعطاهُ ثَوابَ الصّابِرينَ»[12] .
فالصيام ينبغي أن يكون عن كل المفطرات المادية والمعنوية، حتى يهذب الإنسان نفسه، ويحسّن أخلاقه كي يرتقي في أخلاقه وتعامله مع الناس.