بحلول الشهر الفضيل وما يحيط به من أجواء روحانية وتسامحية، يجلس المرء جلسة مصارحة ومصالحة مع نفسه، مراجعاً حساباته ومعيداً النظر في الكثير من الأخطاء التي وقع بها، إذ يعتبر الشهر الفضيل موسماً للتصالح مع النفس والتسامح مع الآخرين.
شهر رمضان، جعله الله، فرصة لكل عاص أو متخاصم لأن يبادر بالعفو والصفح، فهو شهر التسامح والغفران والحب والرحمة، فالله تعالى أمرنا بالصيام ليس فقط للامتناع عن الأكل والشرب بل لغرس الفضائل وتعويد الناس عليها.
فالإسلام جاء ليقيم أركان المجتمع على مكارم الأخلاق والصفات النبيلة التي منها الصفح، والعفو عن الإساءة والأذى، والحلم وترك الغضب، فالإنسان مطالب بأن يكون واسع الصدر يسارع إلى الحلم قبل أن يسارع إلى الانتقام، وأن يضع بدل الإساءة إحساناً ومكان الغضب عفواً وحلماً، وأن يتذكر قوله تعالى:
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم)
لذلك حث الله تعالى ورسوله الكريم على استغلال شهر رمضان في التسامح والعفو والصفح
ومن الآيات القرآنية التي جاءت لتأكيد هذه المفاهيم:
قوله تعالى (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
ومن السنة: «عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى». رواه مسلم.
رمضان يعمل على دعم الإيمان وتقوية مكارم الأخلاق في الإنسان. ومن هذه الأخلاق خلق التسامح والغفران الذي يعمل على تطهير القلب من المشاعر السلبية من بغضاء وأحقاد لتحل محلها المشاعر الإيجابية من محبة ورحمة وأمان، وهذا لمن شأنه أن يساهم في تحقيق الراحة النفسية والصحة الجيدة.
والتسامح فطري ومكتسب، فطري أودعه الله تعالى في عباده بنسب وأقدار متفاوتة، ومكتسب يكتسبه الإنسان من البيئة أفضلها التعاليم السماوية التي تحث الإنسان المسلم على العفو والتسامح ومغفرة الأخطاء والزلات. قال تعالى مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم وهو خطاب لكل مسلم: (فاصفح الصفح الجميل).