بالاطلاع على النتائج التفصيلية لامتحانات السنوات النهائية من التعليم الأساسي والثانوي يدرك المرء أن الاستفادة النوعية المحدودة من التعليم الحالي في موريتانيا، في ظل فرنسته، باتت شبه منحصرة في ساكنة انواكشوط الغربيّة. الذين يملكون الوسائل المادّية لتحسين مستويات أبنائهم في هذه اللغة التي فُرضت علينا كلغة استيعاب للمواد الأساسية.
يا قوم، موريتانيا الآن ليست هي موريتانيا عشية أعوام الاستقلال؛ بمترشحين للباكلوريا لا يصلون لمائة أو مائتي طالب!
عوائق التعليم النوعي كثيرة أمام الطبقة الفقيرة والمتوسطة، بدون شك، ولكن إصرار وزارة التهذيب على فرض لغة ينهار مستواها يوما بعد يوم بين مدرسي الوزارة أنفسهم يبدو أهم هذه العوائق إطلاقا. الأساتذة يلجؤون إلى شرح "المواد العلمية" بالعربية لضعف قدراتهم هم وطلابهم على إيصال المعلومة وعمق استيعابها بالفرنسية. في السنة الماضية مثلا تقدمت أعداد كبيرة من الحاصلين على شهادات "الليصانص" و"المتريز" والماجستير لاكتتابٍ للوزارة تريد منه 50 أستاذًا للفيزياء و 40 أستاذًا للفرنسية و 50 أستاذًا للرياضيات فلم ينجح من بين المئات من المترشحين إلا أربعة فقط في شعبة الرياضيات!
الفرنسة عائق تعليمي واضح وفاضح في نتائج الطلاب كل سنة؛ الغالبية العظمى من المتفوقين، الذين يحصلون على 20/20 و 19/20 في المواد الأساسية، تكون نتائجهم في اللغة الفرنسية هي الأدنى. ومنهم من لا يتجاوز فيها المعدل، رغم ضعف مستوى امتحاناتها. بل إن طالبا حصل السنة الماضية على 20/20 في الفيزياء ولم يستطع الحصول في الفرنسية إلا على 4 نقاط فقط!
واقع بات فيه من يملك الإمكانات المادية هو من باستطاعته وحده تعليم أبنائه بمؤسسات خاصة تدرّس بها القلة من أجاويد المعلمين والأساتذة المتقنين لهذه اللغة، أو بإمكانه التعاقد معهم لدروس التقوية المنزلية، ليلتحق أبناؤه من خلال ذلك ب "مدارس الامتياز" أو يحصلوا على أحسن الموجود من التعليم. وهو ما أصبح، منذ بعض الوقت، أكبر مهدد للمستقبل التعليمي لغالبية أبنائنا وبناتنا، مع ما يرافقه من استنزاف للجيوب وهدر للأعمار والجهود.
للأسف، لا تبدو الوزارة المعنية حتى الآن آخذة لعلاج هذا الواقع الكارثي بالسرعة والجدية اللازمة.
فإلى الله المشتكى..