الحلقة السابعة والعشرون من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء

في الحلقة السابعة والعشرين من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، للمفكر العربي علي محمد الشرفاء يذكر المؤلف خلاصة ما تم الحديث عنه بشأن استعراضُ الفَرْقِ بينَ الخطابِ الدينيِّ والخِطابِ الإلهيِّ حيثُ إنَّ الخِطابَ الدينيَّ اعتمدَ على رواياتٍ وأقوالٍ بشرية لا يمكن بأية وسيلة التأكد من مصداقتها، بالإضافة إلى تأكيد القرآن الكريم استحالة أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام قولاً إلا ما أنزله الله عليه من آيات القرآن ليبلغ الناس بها حيث اعتمد الخِطابُ الإلهي على نصوصِ القرآن الكريم وآياته التي تشع نورًا لصالح الإنسانية كلها بينما تمَّ عرضُ بَعضِ الأمثلةِ من الرواياتِ التي سُميت زُورًا وبُهتانًا بـ«الأحاديثِ»، منسوبة لبعض الصحابة من أجل إضفاء الشرعيةِ الدينية عَليها بالرغم من تَنَاقُضِهَا مع التَشْريعِ الإلهي، كَمَا تمّ عَرضُ بَعضَ الأمثلةِ على انقلابِ المسلمين على الكتابِ حِينمَا تحوَّلوا إلى فِرَقٍ،كلٌّ لَهُ مَرجعيتُهُ ومنهجُهُ، لا تَستَنِدُ إلى شرعِ اللهِ الّذي جَاء في كِتابِهِ الكريمِ، وأدَّى بِهم إلى الاقتتال بسببِ تَعصُّبِ كلِّ طائفةٍ لمنهجِها وقادَتِها من أئمة وشيوخ الدين، إضافةً إلى ما أجّجته الخلافاتُ الفقهيةُ بانتماءاتها لمرجعيات متنافسةٍ إلى الصِراعِ بين الفرق والطوائف الإسلاميّة والتسابق لإرضاء الخلفاء والسلاطين لتحيق مكاسب دنيوية وحب السُّلطة وتحقيق مكانة اجتماعية ترضي الذات وتستمتع بكثرة الأتباع، تؤمِّن لهم إشباع طموحِ النفسِ والاستعلاء على الأدنى منهم، مستخدمين الرِّواياتِ المُختَلَقَةِ ما يُبرّرُ لَهُم أفعالَهم، مستندين إليها حجةً في صحة فتاواهم وأنشأوا مرجعيات متنافسة فيما بينهم كل يستعلي على غيره غرورًاوعزة بالباطل، مماأجّجَ الصراع بين الأفكار المتناقضة، وأدى للصراع بينهم، ثم الاقتتال بين الطوائف الإسلامية والمذاهب المختلفة، ويبرهن الكاتب أن الله سبحانه وتعالى أمرنا جميعا بالاعتصام بكتاب الله القرآن الكريم،

وإليكم نص ما كتبه المؤلف حول هذا الموضوع

لخلاصة

لقد تمَّ فيما سَبَقَ استعراضُ الفَرْقِ بينَ الخطابِ الدينيِّ والخِطابِ الإلهيِّ حيثُ إنَّ الخِطابَ الدينيَّ اعتمدَ على رواياتٍ وأقوالٍ بشرية لا يمكن بأية وسيلة التأكد من مصداقتها، بالإضافة إلى تأكيد القرآن الكريم استحالة أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام قولاً إلا ما أنزله الله عليه من آيات القرآن ليبلغ الناس بها كما قال سبحانه مخاطبًا رسوله الكريم 

(تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية 6)

بينَما الخِطابُ الإلهي اعتمدَ على نصوصِ القرآن الكريم وآياته التي تشع نورًا لصالح الإنسانية كلها فيها الرحمة والعدل والحرية والإحسان والسلام والتعاون والمساواة بين الناس جميعًا. وتمَّ عرضُ بَعضِ الأمثلةِ من الرواياتِ التي سُميت زُورًا وبُهتانًا بـ «الأحاديثِ»، منسوبة لبعض الصحابة من أجل إضفاء الشرعيةِ الدينية عَليها بالرغم من تَنَاقُضِهَا مع التَشْريعِ الإلهي، حيثُ اختصَّ الله سُبحانهُ وَحدُهُ بالتشريعِ لعبادهِ، وكلّفَ الأنبياءَ والمرسلينَ بإيصالِ رسالته للناسِ، وتعليمِهِم وإرشادهم حكمة مَراد الله في آيَاته وتوَضيحِ مَعانيهِ، وقد قَالَ اللهُ في كتابِهِ الكريم

﴿وَجَعَلناهُم أئِمَّةً يَهدونَ بِأمرِنا وَأوحَينا إِلَيهِم فِعلَ الخَيراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَكانوا لَنا عابِدينَ﴾ (الأنبياء 73).

كَمَا تمّ عَرضُ بَعضَ الأمثلةِ على انقلابِ المسلمين على الكتابِ حِينمَا تحوَّلوا إلى فِرَقٍ، كلٌّ لَهُ مَرجعيتُهُ ومنهجُهُ، لا تَستَنِدُ إلى شرعِ اللهِ الّذي جَاء في كِتابِهِ الكريمِ، وأدَّى بِهم إلى الاقتتال بسببِ تَعصُّبِ كلِّ طائفةٍ لمنهجِها وقادَتِها من أئمة وشيوخ الدين، إضافةً إلى ما أجّجته الخلافاتُ الفقهيةُ بانتماءاتها لمرجعيات متنافسةٍ إلى الصِراعِ بين الفرق والطوائف الإسلاميّة والتسابق لإرضاء الخلفاء والسلاطين لتحيق مكاسب دنيوية وحب السُّلطة وتحقيق مكانة اجتماعية ترضي الذات وتستمتع بكثرة الأتباع، تؤمِّن لهم إشباع طموحِ النفسِ والاستعلاء على الأدنى منهم، مستخدمين الرِّواياتِ المُختَلَقَةِ ما يُبرّرُ لَهُم أفعالَهم، مستندين إليها حجةً في صحة فتاواهم وأنشؤوا مرجعيات متنافسة فيما بينهم كل يستعلي على غيره غرورًا وعزة بالباطل، مما أجّجَ الصراع بين الأفكار المتناقضة، وأدى للصراع بينهم، ثم الاقتتال بين الطوائف الإسلامية والمذاهب المختلفة، وسقط فيها آلاف القتلى من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واستمرَّ مشهد الدماء بعد ذلك على طول الزمن إلى اليوم.

لقدْ أرسلَ اللهُ رسولَهُ محمَّدًا صلّى الله عليه وسلّم ليبلِّغَ رسالةً اكتمل فيها النهج الإلهي لعباده وأكد الرسول في حجة الوداع بقوله تعالى

( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) 

وضع الله فيه قواعد العدل للحكم بين الناس في كل علاقاتهم الأسرية والتجارية وضوابط لكافة المعاملات وبين لهم فيه القيم الإنسانية والفضائل القرآنية تأكيدًا لقوله تعالى 

﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِم رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (ال عمران 164) 

فاللهُ سُبحَانَهُ وتعالى حدّدَ لِرسولهِ في مَهَمَّتِهِ العظيمةِ للبشريةِ، كَمَا في قوله تعالى 

﴿إِنَّا أرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾(الفتح وقوله تعالى ﴿قُل يا أيُّهَا النّاسُ قَد جاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَنِ اهتَدى فَإِنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها وَما أَنا عَلَيكُم بِوَكيلٍ﴾(يونس 108). 

فلم يكنِ الرسولُ مُشرِّعًا، ولكنّه كانَ مُبشِّرًا ونذيرًا، لِيُعَلِّمَ الناسَ الحِكمَةَ ويَشرحَ لهم كلامَ اللهِ ويُفسِّرَ لَهُم مَا استعْصى عليهِم فَهْمُهُ، ويعرفهم شعائر العبادات والتعامل فيما بينهم بالرحمة والأخلاق والفضيلة. واللهُ سُبحانَهُ يُخاطبُ العُقولَ في حاضرِها، كلّما انتهى عَصْرٌ يستمر الخِطابُ حَيًّا إلى أن تَقومَ السَّاعةُ، كَمَا يُخاطِبُ الناسَ الأحياءَ في عَصرِهم ولا يُخاطبُ السابقينَ من الأمواتِ، فَالقُرآنُ يحاورُ عبادَ اللهِ بِمَا جَاءَ بهِ الخِطابُ الإلهي، القرآن الكريم، في حاضرهم ليعدوا من عمل صالح لمستقبلهم وليسَ معنيًّا بمخاطبةِ الأمواتِ وفي قوله تعالى 

﴿مَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴾﴿لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾(يس 69 و 07).

إذن فالخِطابُ الإلهي يُخاطبُ الأحياءَ، وكلُّ حيٍّ مَأمورٌ بأن يتدّبرَ القرآنَ، وكلُّ إنسان حيٌّ عليهِ أن يَتَفاعلَ مع النّصِ القرآنيّ ويَتدبّرَهُ ويفهَمَ مُرادَ اللهِ من آياتِهِ وألّا يعتمدَ على فَهمِ مَنْ سَبَقَهُ، فكلُّ عَصْرٍ لهُ ظروفُهُ وآلياتُه في الفَهْمِ والاستيعابِ، وما اُستُجدّ على المجتمعات من تطوّرِ علميٍّ وحضاري يسَّر للإنسان الوسائل المختلفة التي تساعده على التفكر والتدبر والبحث في آيات الله ومراميها ومقاصدها لخير الإنسانية ومنفعة الإنسان ليقيم فريضة القراءة التي نزلت في أول سورة من القرآن على رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي 

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)) (العلق) (1-5)

لاستخراج عناصر العلوم التي أودعها الله سبحانه في عقل آدم عند خلقه حينما علمه الأسماء كلها وهي المعرفة في شتى المجالات الحياتية والدنيوية التي ستظل تصاحب الإنسان حتى قيام الساعة ليستخرج منها الاختراعات والإبداعات لتسخيرها لمنفعة الإنسان وتحسين مستوى معيشته. ولم يحدّد اللهُ سُبحانَهُ وتَعَالى مخاطبةَ فئةٍ من الناسِ، يتميّزونَ عن غيرِهم باسم العُلماءِ أو الأئمةِ، إنّما يُخاطبُ اللهُ عقولَ البشرِ جميعًا دونَ استثناء، ويهدى سُبحانَهُ أيَّ عبدٍ من عِبادِهِ يسعى بإخلاص التدبُّر في كتابِ اللهِ، وييسِّر لَهُ فَهمَ مُرادِهِ في آياتِهِ، فالمعرفةُ والفَهمُ والاستيعابُ لمْ يقصرْهُ اللهُ على فئةٍ دونَ غيرِها مِنَ البَشر، فليستَعملْ كلُّ إنسانٍ عقلَهُ في فَهمِ الآياتِ، وإذا استعصى عليهِ فهم بعضُ آياتِهِ يستطيع الانسان بما أتيح له من وسائل التطور التكنولوجي للبحث فيها حيث سيجد ما غاب عنه متاح في الحاسب الآلي ببدائل عدة لمعرفة مقاصد الآيات ويزنها بعقله لذلك أمرنا الله باتباعِ فريضة التفكير كما قال تعالى

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران 191)

لمعرفة مقاصد الخطاب الإلهي وما يدعوهم إليه ليصلح حالهم فيتعاملونَ بالإحسان ويتعاونون في سبيل بناء مجتمعات الأمن والسلام ليتحقق الاستقرار وينصرف الجميع لتعمير الأرض والعمل للارتقاء بمستوى المعيشة للإنسان والحياة الكريمة لكافة أفراد المجتمع.

إنّنا نَرَى في عصرِنا هذا كلَّ مَنْ يُسمَّوْنَ بِعلماءِ الدّينِ ومن أطلقوا عليهم شيوخ الإسلام وضعوا لأنفسهم مكانةً خاصةً في المجتمعات الإسلامية وتحوَّلوا إلى ما يشبه الكهنة، وأمسكوا بزمام رسالة الإسلام بأيديهم ووقفوا سدا منيعا أمام كلَّ مَن يحاول مخلصًا تصحيح المفاهيم الدينية وتقويم المصطلحات التي تناقلتها الزعامات الدينية على مدى أربعة عشر قرنًا، حيث يرون التدبّر في كتاب الله تجاوزًا على مكانتهم وتعديًا على مكانتهم ومعتقداتهم التي تعلَّموها وحفظوها على مرِّ السنين من روايات مستحدثة وإسرائيليات محبطة، لا تتفق مع العقل والمنطق وتصطدم مع الآيات الكريمة.. فلماذ لا يتدبّرون القرآن ويتعرفون على مقاصد الآيات لخير الإنسان ولا يجتهدون في استنباطِ تَشريعاتٍ مِنْ آيات اللهِ لِخلقِهِ وهم يعلمون أنَّ التفكّر والتدبّر في القرآن فريضة إلهية على كلّ مسلم أن يستخدم عقلَه وفكرَه حتى يتبيّن له الحق من الباطل ولا يصبح إمّعةً يؤمن بما يُعرضُ عليه من مفاهيمَ باليةٍ أكل الدهر عليها وشرب، آمن بها الناسٌ في عصور غارقة في الجهل والأمية حين اعتمدوا على ما جَاءَهُم مِن اجتهاداتٍ وفلسفات ومَفَاهيمَ مَضَتْ عليها القرونُ، تتعارض مع حَركة التطَور الإنسانيِ، فالناسُ ليسوا مُلزمين بها باتّباع آراءِ ومفاهيمَ ضلتْ الطريقَ وأضلت منَ اتّبعها.
إنّ عقيدتَهم في اتباع الأقدمين ألجمت عقولَهم وأسَرتْ تفكيرهم من التدبر في كتاب الله الكريم، فانعزلوا عن الواقع الذي يعيشون، ولا سبيل لهمُ للتكيف مع متطلبات عصرهم وعقيدتهم.

عجزت عقولهم التحرر من الماضي وترسباته للتدبر في القرآن وآياته فكلما دعوناهم إلى التفكر في آيات الله ومقاصدها لخير الإنسان وصلاحه فكانت إجابتهم كما وصفهم الله سبحانه في الآيات التالية:

(بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ)(الزَخَرف:22) وقال تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا ألْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ(البقرة:170)

كلُّ المذاهب الدينيّة بمختلف مؤسّسيها وفقهائِها وأتباعِها والتي استظلّت بمصطلحات لا أساس لها من القرآن ولا ممّا بلغه رسولُ الله للناس من آيات بينات، تلك المصطلحات مثل السُّـنَّـة والجماعة بمختلف فرقها والشِّـيعة الاثني عشريّة وفرقها المختلفة التي نشأت لخدمة أغراض سياسية وإستحقاقات دنيّوية، ومكاسب أنانية تؤسس للفرقة بنيانًا وتعِدُ للصدام أسبابًا، يرفعون شعارات تستثير العصبيّة والنعرات الطائفيّة يترتّب عليها القتال وسفك الدماء بينهم والله سبحانه يؤكّد في منهج كتابِه الكريمِ بقوله تعالى

﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْموْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج 78)

حيث تؤكّد هذه الآيةُ أن على المسلمين الجهاد بالتفكر والتدبر في القرآن ودعوة الناس بالكلمة والموعظة الحسنة بشرح رسالة الإسلام لغير المسلمين وأن يجاهد المسلم نفسه ليكون قدوة بتعامله وسلوكه، ملتزمًا بقيم الفضيلة والأخلاق الكريمة التي يدعو إليها القرآن حين يدعو الناس في الدخول إلى الإسلام عندما يرى الإنسان الأفعال الطيبة عند المسلمين من رحمة وعدل وإحسان وخلق كريم، مما يشجع غير المسلمين في الاقتناع برسالة الإسلام أنَّ الدينَ عند الله الإسلام، فلا مكان يوم القيامة لمذاهب أو لجماعة أو لأهل البيت أو للأشراف، بل في ذلك الموقف سيكون الإنسان إمّا مسلمًا وإما كفورًا، فيجب اتباع أمر الله كما قال سبحانه

(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)( آل عمران: 85).

فليحرص المسلمون جميعًا على عدم استخدام أية مسمّيات ومصطلحات تثير الفرقة والتمزُّق، متبعين مذاهب شتى حتى لا يكونوا في الآخرة من الخاسرين، لذا فعليهم اتباع رسالة الخالق والإيمان بالقرآن تنزيلًا من الله لرسوله، والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا وإمامًا، أقام تكاليف العبادات واستبق الخيرات وعامل الناس بخلق حسن، فهو مسلمٌ وكفى به عند الله عبدًا مؤمنًا وسيكون جزاؤهم كما قال تعالى 

(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت 30) 

كما تؤكد الآية التالية أنَّ الله سبحانه أرسل رسوله بدعوة الإسلام فقط بقوله سبحانه تَعَالىَ ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ (آل عمران 91).

لقد جاءت رسالةُ الخالقِ لعبادهِ يدعوهم للإسلام دينًا، والإيمان برسوله إمامًا وسراجًا منيرًا وهاديًا للناس. فمَن آمن برسالة الإسلام والتزم بتكاليف العبادات واتبع ما أمر الله به قولًا وعملًا، حيث كرَّمنا المولى عز وجل بأن سمّانا المسلمين تشريفًا لمَن اتّبع قرآنه وتدبَّر آياته وقد وعدهم الله بقوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة :277) وقال تعالى ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وُمَا كَانَ مِنَ الْمُشُرِكِينَ ﴾ (آل عمران 6٧)، وقال تعالى تَعَالىَ ﴿قُلَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِن رِّبّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ (آل عمران 84)، وقال تعالى (وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)(البقرة 132).

تؤكّد لنا الآيات المذكورة أعلاه وحدةَ الرسالة التي حملها كل الأنبياء الذين كُلّفوا بتبليغها للناس، فهم كلهم مسلمون، لقد ارتضى الله للناس الإسلام دينًا وكرَّمهم بتسمية مَن آمن برسالته بـ«المسلمين» واتبع خاتم النبين محمدًا صلى الله عليه وسلم فكيف تجرّأمنتصدوا للدعوة الإسلامية وممن يسمون بعلماء المسلمين وأئمة الإسلام في الماضي والحاضر بأن يبتدعوا مسمّيات تتعارض مع مراد الله لعباده بتسميته لنا بالمسلمين وأن يعصوا أمرَ الله في تكريمه لعباده، يحذرنا سبحانه بقوله

﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾(آل عمران 85).

فإذا جاء يومُ الحسابِ وجاء الناس جميعًا يرجون رحمتَه ويأملون مغفرتهوهم قد جاءوا بمسمّياتٍ مذهبيّةٍ متعددة، سنيّةٍ، تتبعها عشرات الفرق بعقائد مختلفة، وكذلك شيعيّةٍ، واتباعها بمدارسها المتعددة أو إباضيّةٍ وخلافه، فلن يستقيم أمرهم مع مراد الله الذي جاءت رسالته بالاعتصام بحبل الله محذرًا إياهم من التفرق والتحزب الذي يدعو كل منهم لمنهجه الديني الخاص بفرقته، ولن يقبل الله يوم القيامة منهم أعذارهم ولن يسمح لهم تفرقهم، ولن يغفر لهم انصرافهم عن القرآن الكريم ليتخذوه مرجعًا وحيدً التشريعاتهم وسلوكيّاتهم وسيكون الحكم لله وحده حين يقضي بينهم بعدله عندما يقبل أعمال المسلمين الذين آمنوا به وصدّقوا رسوله وأدّوا تكاليف العبادات كما أمر الله ورسوله، واتبعوا أوامره وعملوا الصالحات وامتنعوا عن النواهي واتقوا الله واتخذوا الخير سبيلًا والاحسان سلوكًا والرحمة عملًا والسلام طريقًا والتعاون هدفًا والعدل نظامًا يضبط العلاقات الاجتماعية بين الناس. لذا فإنّه يجب على المسلمين التزامًا وإيمانًا بتطبيق أمر الله عدم استخدام أي مصطلح غير الإسلام أوشعاراتٍ دينيّةٍ تتعارض مع ما أمر الله به، بل يظلّ مسمّى الإسلام هو الصفة الوحيدة التي يجب على المسلمين التعامل بها إذا كانوا يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبمحمد رسول الله وخاتم النبيين. كي لا يتفرّق المسلمون إلى فرق وطوائف وأحزاب كما حدث في الماضي ويحدث الآن، تأكيدًا لقوله (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران85).

جمعة, 15/07/2022 - 17:17