شيخ الضفتين ونصير المستضعفين ...الشيخ يعقوب ولد باب ولد الشيخ سيديا

يعقوب ولد الشيخ سيديا..شيخ الضفتين ونصير المستضعفين

في صباح من أيام 1908، تحرك سلك التلغراف لأول مرة بين بوتلميت وسانت لويس، وصلت رسالة إلى باب ولد الشيخ سيديا الموجود يومها في العاصمة الإدارية لموريتانيا، تفيد بأن زوجته رملة بنت الحسن زرقت غلاما.
سجد الشيخ باب سجدة طويلة جدا، أثارت انتباه مرافقيه، خاطبه أحدهم لقد أطلت السجدة جدا عندما بلغك ميلاد هذا الطفل، فأجاب لقد دعوت له الله  كثيرا أن يغنيه.
أدرك الطفل الذي سيحمل اسم يعقوب 16 سنة من حياة والده، ودرس عليه مبادئ متعددة من العلوم الشرعية واللغوية، كما حفظ القرآن بشكل متقن جدا على يد خاله العلامة محمد محمود ولد الحسن قبل أن ينتقل إلى مجيزه  المقرئ العلامة اللغوي عبد الودود ولد حميه، الذي كان يردد دائما بأنه لا يتوقع بحال من الأحوال أن يتفلت القرآن من صدر تلميذه النجيب يعقوب.
وفي حضرة والده درس الشيخ يعقوب معارف واسعة، على والده وكبار إخوته، وكبار علماء الحي الممتد حولهم.
 
_ شيخ الريف .. ونصير المستضعفين:

عرف الشيخ يعقوب ولد الشيخ سيديا بإقامته شبه الدائمة في منطقة شمامة، والتي استمرت عدة عقود، وبدأت قبل الاستقلال، واستمرت حتى سنوات قريبة قبل وفاته.
استطاع الشيخ يعقوب ولد الشيخ سيديا أن يكون المركز الروحي لسكان تلك المنطقة، ووجدوا فيه الموجه والمربي والإمام والمصلح، وإذا كان يعقوب ولد الشيخ سيديا القادم من رمال آمشتيل البيضاء المكتنزة، قد اختار الإقامة شبه الدائمة بين سهول وأدغال شمامة، فقد أحبه أيضا سكان الريف حبا خالدا، وخلدوا علاقاتهم في مدائح وأهازيج شعبية خالدة، وفي تعلق وجداني لا يزال مستمرا.
وقد امتدت علاقاته على ضفتي النهر، وكان بذلك أحد المرجعيات الأساسية لسكان الضفتين، محييا بذلك أدوارا متعددة في خدمة الوحدة الوطنية والسفارة الروحية المؤثرة في المنطقة.
في منتصف السبعينيات أدى الشيخ يعقوب زيارة مطولة إلى السنغال وغامبيا واستقبل هنالك بحفاوة هائلة قبل أن يعود إلى البلاد رفقة أكثر من 100 شاحنة وزع حمولتها يومها على مستفبليه في الضفة الموريتانية
أزمة 1989 والدور الإنساني للشيخ يعقوب
 
كانت سنة 1989 سنة لهب مشتعل على ضفاف نهر السنغال، وقعت تلك الأحداث المؤلمة ويعقوب ولد الشيخ سيديا في عمق الأراضي السنغالية، ولم تكن رحلة الخروج إلى موريتانيا سهلة، فقد كانت خروجا بطيئا  وضخما أيضا.
حيث صاحبت الرجل في وصوله إلى البلاد ألف موريتاني، في عشرات الشاحنات المحملة أيضا بما استطاعوا إنقاذه من أموال وأمتعة.
وكان يوم وصولها إلى مدينة ادويرة الموريتانية أو لكصيبة 2 حاليا يوما تاريخيا، وقد نجا هؤلاء من مصير مؤلم ومن إهانات شديدة، تعرض لها عشرات الآلاف من الموريتانيين الآخرين.
وقد رافقه في سفره هذا أخواه يوسف وسليمان في موكب تاريخي
وعلى الضفة الموريتانية، وقف يعقوب ولد الشيخ سيديا محاميا ومدافعا عن سكان القرى الزنجية التي رحلها نظام الرئيس ولد الطايع إلى السنغال، والتقى ولد الطايع ليدافع بقوة عن موريتانية المرحلين إلى السنغال، رغم أن ولد الطايع لم يكن يومها مستعدا لسماع أي رأي مخالف لقراراته بشأن الأزمة.

_ مؤسسة خيرية مستمرة:

عرف عن يعقوب ولد الشيخ سيديا كرمه الحاتمي، وحنوه على الفقراء والمساكين، وقد كان حريصا دائما على توزيع ما يحصل عليه من مصادر مالية هائلة، في أعمال بر متعددة، من تعليم وإنفاق وعلاج المرضى، إلى غير ذلك من أعمال البر المختلفة.
في بداية التسعينيات انتقل الشيخ يعقوب إلى نواكشوط التي لم يكن يملك فيها منزلا ولا عقارا..حيث أهداه رجل الأعمال المرحوم سيدي محمد ولد العباس منزلا فخما في حي بغداد وأقام هنالك عدة سنوات قبلة للراغب وملاذا لآلاف الزوار من فئات وجنسيات مختلفة
وإلى جانب تلك الأعمال المختلفة فقد كان الشيخ يعقوب صاحب كرامات متعددة، أجرى الله على يده الخير لكثير من المرضى المشفين، والفقراء المعدمين، وساق على يده الغنى لكثير من الفقراء والأرامل
في 13 نوفمبر 2002 أسلم الشيخ يعقوب ولد الشيخ سيديا الروح إلى بارئها، وطوى صفحة حياة حافلة بالفضل والقيم الإسلامية السامية، وقد تقاطرت المراثي على أسرته بسبب رحليه، ومن أشهرها قصيدة الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله.
 
عظم الرثاء عن المصاب فأفزعا :: ونفوس اهل مـــصــابـنــا أن تفزعا
إن الرزية لارزيــــة مـــثلُــها ::: يـــعـــقوب إذ زمّ الركــــاب فــودّعــــا
صنت الدموع حذار غبطة شامت ::: فـــجــرين رغم الصون مربع مربعا
فاقْن الحياء وصن وقارك وانتظر ::: ماجلة الأشـــياخ تــصــــنع فاصنعا
ودع الرثاء فلو خلقت متمما ::: أعــيـــاك مافى الشيخ كان تجـــمــعا
لاتخش ضــيعــة إرثه ما إرث من :::: خــلــفــتــه آساد الرجال مضيعا
بنيان قوم لو سواهم نال من ::: بــنــــيانه ما نــــال مــنه تلــعــلــعا
ماذا تقول وما تخالك بالغا ::: بالقول لو أنـــفـــدت فـــكــــرك أجمعا
لو كنت فى عصر الشبيبة لم تطق ::: أنى وقد أصبحت أشيب أصلعا
لاتخش سحب بساط آل الشيخ ما ::: مسعاهم فينا لأول من سعى
وتعزّ بالأحياء منهم واحتسب ::: وأدع الذى ما إن يـــخــيــب من دعا
أن يرحموا أن يكرموا أن ينصروا::: أن يــحفـظوا أن لايـــزالوا مـــفــــزعا

 *من صفحة المدون ابو عاكف الشنقيطي