تونس : النص الكامل لكلمة صاحب السعادة دمان ولد همر سفير موريتانيا في تونس خلال مؤتمر التعاون من أجل مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود بين ليبيا ودول الساحل والاتحاد الاوروبي

شارك وفد موريتاني رفيع المستوى في أشغال مؤتمر التعاون العابر  للحدود بين ليبيا ومنطقة الساحل، الذي افتتح صباح اليوم بفندق موفنبيك بتونس العاصمة.

ويهدف المؤتمر الذي ينظمه الإتحاد الأوروبي من خلال بعثته في ليبيا للمساعدة بشأن الحدود، وبإشراف من الممثل الخاص للإتحاد الأوروبي المكلف بالساحل السيدة مانويلا كلوديا دلري، إلى تطوير التعاون البيني في مجالات مكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود والجريمة المنظمة.
وقد مثل بلادنا في هذا المؤتمر وفد رفيع المستوى يتكون من سعادة السفير دمان محمد همر، سفيرنا في تونس، السفير محمد السالك ولد إبراهيم،  مكلف بمهمة بديوان السيد وزير الخارجية،  والسفير محمد الأمين ولد مولاي أعلي،  المدير العام للتعاون متعدد الأطراف،  والمفوض الإقليمي، اعلي ولد اعليه، مدير  شرطة الجو والحدود،  و المقدم البحري أحمد مولاي، مدير السلامة البحرية ومنسق مكافحة الهجرة السرية بخفر السواحل.

يستمر هذا المؤتمر يومي 21  و 22 نوفمبر 2022 بمشاركة واسعة من ستة دول هي ليبيا، وموريتانيا، ومالي، والنيجر واتشاد وبوركينافاسو .

وفد ألقى سفير موريتانيا في ليبيا صاحب السعادة السيد دمان ولد همر ك خلال هذا المؤتمر خطابا قيما هذا نصه:

 

أيها السادة والسيدات، 

أود أولا أن اتوجه بجزيل الشكر للجنة تنظيم هذا المؤتمر على الدعوة الكريمة التي وجهت لنا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية  للمشاركة في هذا المنتدى الرفيع المستوى حول التعاون العابر للحدود بين ليبيا ومنطقة الساحل الذي ينطلق اليوم في تونس بمشاركة واسعة، وفي ظروف إقليمية ودولية متميزة. وهو موضوع نعتبره بالغ الأهمية ونوليه عناية خاصة كما يدل على ذلك حجم ونوعية مشاركة الوفد الموريتاني اليوم معكم في أعمال هذا المؤتمر..

 

 أيها السادة والسيدات، 

لقدت اعتمدت الجمهورية الإسلامية الموريتانية، منذ منتصف سنة 2019، مقاربة شاملة لمواجهة تحديات الأمن والتنمية التي تعيشها القارة عموما، ومنطقة الساحل خصوصا، والتي تؤثر بشكل ملموس في توفير أرضية ملائمة لتنامي العنف والتطرف والجريمة العابرة للحدود.

وترتكز هذه المبادرة، بالأساس، وفقا لرؤية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، على إرساء دعائم دولة القانون والمؤسسات وتعزيز الحكامة وإرساء أسس السلم الاجتماعي عبر صون الحريات العامة واعتماد التشاور والحوار أداة لنزع فتيل التوترات. 

ولترسيخ هذه المقاربة التشاركية للشأن العمومي اعتمدت بلادنا إصلاحات مؤسسية هامة لتجفيف منابع الإرهاب الذي يستقطب، عبر الإحباط وانسداد الآفاق، شرائح عريضة من مجتمعات المنطقة.

ولأن الإرهاب- كما أكد معالي الأمين العام للأمم المتحدة في جولته الإفريقية الأخيرة- ليس مشكلة إقليمية وإنما هو مشكلة عالمية، فإن الوسيلة المثلى لتعزيز محاربته في منطقة الساحل هي اعتماد مقاربة مندمجة تراعي مختلف أبعاد الظاهرة، وتأخذ في الحسبان مضاعفات الأزمة العالمية وآثار الجائحة على اقتصاديات المنطقة.

 

أيها السادة والسيدات،

لقد عانت موريتانيا على غرار دول الساحل والصحراء، خلال العقود الماضية من التهديدات المتزايدة لمختلف أنواع الجريمة المنظمة و النشاطات الارهابية والتداعيات الناتجة عن الهجرة غير الشرعية، حيث أصبحت منطقة الساحل والصحراء، هي القاعدة الخلفية لأغلبية أنشطة الجريمة المنظمة في القارة الإفريقية، وتحولها مع الوقت إلى مرتكز لاقتصاد الجريمة المنظمة في العالم، الذي ينتج من نشاطات المنظمات الارهابية، التي تتحالف غالبا مع عصابات تجارة المخدرات والاتجار بالبشر وتهريب السلاح والسجائر، إلى جانب الهجرة غير الشرعية، التي كثيرا ما استغلتها تنظيمات الجريمة المنظمة، كأدوات في تنفيذ انشطتها، وقد انعكست هذه الأوضاع على الاستقرار والتنمية في دول منطقة الساحل والصحراء.

 

وكما تعلمون، لقد أدت الأزمة وتدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا منذ 2011 إلى ارتدادات في كل أنحاء المنطقة وإلى انتشار حالة من عدم الاستقرار في البلدان المجاورة، سواء كانت في المغرب العربي أو في منطقة الساحل، خاصة مع انتشار الأسلحة وتسلل مقاتلي التنظيمات الإرهابية من وإلى المنطقة المغاربية، وبينها وبين كل من بلدان المشرق من جهة، والساحل الإفريقي من جهة ثانية، كل ذلك أدى إلى تنامي المخاطر الأمنية العابرة للحدود الوطنية خلال العقدين الأخيرين بشكل ملحوظ.

 

لقد أثرت تلك التداعيات على عموم المنطقة المغاربية، وطرحت مزيدا من التحديات، وخلقت جملة من المخاطر أثرت -وإن بشكل متفاوت- على مختلف البلدان المغاربية، بما في ذلك موريتانيا التي يتميز وضعها على مستوى الأمن والاستقرار بانها نجحت في دفع الإرهاب إلى ما وراء حدودها بفضل الله تعالى وبفضل مهنية ويقظة قواتها المسلحة وقوات أمنها التي نوجه لها التحية من هنا من خلال اعتماد مقاربة شاملة ومتعددة الابعاد، لكن خطر الإرهاب لا يزال قائما ويؤثر سلبيا في محيطها المباشر. وذلك بفعل استمرار العوامل التي أنتجت الإرهاب والتطرف العنيف أصلا. 

 

 تلعب موريتانيا أدوارا متميزة ضمن الفضاءين المغاربي والساحلي، بما يخدم الاستقرار والتعاون المشترك ويُشجع الاندماج فيما بين بلدان المنطقة.

 

من أجل تلمُّس أرضية لتطوير تعاون مشترك عابر للحدود فيما بين ليبيا ومنطقة الساحل، لا بد من فهم الظواهر وتطوراتها ضمن السياق المغاربي، لا بد من الرجوع إلى الخلفيات الجيوبوليتيكية والأمنية عبر اتجاهين، يتمثل أولهما في تحليل ديناميكة "الربيع العربي" وتداعياته المحلية والإقليمية، خاصة بعد تفاقم الأزمة في ليبيا الشقيقة التي تعتبر بلدا محوريا بالنسبة لأي مقاربة للخروج من الوضع الراهن في المنطقة بحكم موقعها الاستراتيجي القريب جدا من أوروبا والمؤثر كثيرا في منطقة الساحل.

 أما الاتجاه الثاني فيتعلق بآليات التأثر والتأثير المتبادل بين البلدان المغاربية ومنطقة الساحل والصحراء المتاخمة لها من أجل إعادة إرساء تفاهم وتعاون اقتصادي وأمني مثمر يقوم على الاستقرار وتثمين فرص التنمية والتعاون الثقافي البيني بين دول المنطقة خاصة بين ليبيا ودول منطقة الساحل..

 

وهو ما نتمنى أن يساهم هذا المؤتمر في بلورة أفكار ورؤى وتوصيات ناضجة وبناءة تساعد على تحقيق ذلك التعاون والشراكة على أرض الواقع..

أتمنى التوفيق والنجاح لمؤتمركم..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ثلاثاء, 22/11/2022 - 16:33