افتتاحية/ ذكرى الاستقلال ال62.. عيد بطعم الوفاء

يحتفل الموريتانيون اليوم بذكرى استقلالهم عن الاستعمار الفرنسي للمرة ال62، حيث تميز منحنى مسيرة الاستقلال بالاضطراب صعودا وهبوطا خلال العقود الستة الماضية.

ولئن كان جيل الاستقلال، الذي واكب ميلاد الدولة حتى بلغت سن الرشد (18 سنة)، قد تفانى في خدمة مشروع الدولة التي لم ترث عن المستعمر الفرنسي بنى تحتية يمكن التأسيس عليها لتحديث وتطوير الدولة الوليدة.. فقد شهدت مراحل ما بعد انقلاب 78 تعاقب أنظمة تعرف منها وتنكر، غير أنها اتفقت في عجزها عن الوصول لخدمة الطبقات الهشة بشكل مباشر دونما استعانة بوسيط، قبل أن يستلم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد السلطة، كرئيس منتخب لم يصل بانقلاب عسكري ولم تدفع به ظروف استثنائية لتسيير مرحلة انتقالية، بل إنه تقدم للشعب ببرنامج طموح نال تزكية غالبية الناخبين في الشوط الاول من السباق الرئاسي. 

ولم يدر ولد الشيخ الغزواني ظهره لناخبيه بمجرد تنصيبه، قبل أكثر من ثلاث سنوات، ولم يترك برنامجه الانتخابي حبرا على ورق، كما فعل كثيرون قبله، بل حول الأقوال إلى أفعال رغم العوائق الكثيرة التي اعترضت طريقه، والتي جاءت من خارج الحدود، حيث مر العالم بجائحة كورونا، التي أصابت الاقتصاد العالمي في مقتل، ثم تلتها الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي جاءت لتجهز على الاقتصاد الجريح وهو يحاول النهوض من كبوة الفيروس الخطير.

لكن عزيمة الرجل وحرصه على الوفاء بعهده، وإصراره على تنفيذ برنامجه الانتخابي.. كل ذلك أدى لصنع المستحيل في ظروف دولية غير مواتية. 

فخلال الأعوام الثلاثة التي مضت من مأموريته الأولى، لم يكتف رئيس الجمهورية بمجرد الوفاء بتعهداته التي قطعها على نفسه في أوقات الرخاء، بل زاد على الوفاء بها بما أملته ظروف الشدة المتمثلة في الأزمتين المتتاليتين ليخرج البلد والشعب مرفوعي الرأس، رغم الصعاب الجمة والعراقيل الكثيرة التي عانتها كل الدول والشعوب عبر العالم.

لقد شاهد الكل كيف استنفرت الدولة كافة طواقمها الطبية، ووفرت كل المستلزمات اللوجستية التي مثلت سدا منيعا أمام انتشار جائحة كورونا، فجلبت الدبلوماسية النشطة اللقاحات المضادة لكورونا من مختلف القارات، فضلا عما رصدته الدولة من ميزانيات ضخمة لشراء تلك اللقاحات، وما وفرته من خلال تقديم خدمات فورية ومجانية في مختلف المستشفيات والمستوصفات والنقاط الصحية المنتشرة في ربوع الوطن، وما نظمته من حملات توعوية تستهددف التحذير من خطورة انتشار الفيروس الفتاك، وهو ما مكن من عبور دائرة الخطر المحدق بكل أمان.

وأمام الوضع الاقتصادي الكارثي الذي خلفته تداعيات الحرب الدائرة على أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، ظلت موريتانيا، بسبب وعي رئيسها وحكمته وتوجيهاته، من أقل الدول تأثرا بتلك التداعيات الخطيرة، رغم الأثر السلبي على اقتصادها ككل دول العالم.

وبالتوازي مع الوفاء بتلك الالتزامات الطارئة، ظلت وتيرة الوفاء بالبرنامج الانتخابي "تعهداتي" متسارعة حتى النهاية. 

ففي المجال السياسي، وفر رئيس الجمهورية الأجواء المناسبة للانسجام والتعاطي الإيجابي بين مختلف مكونات الطيف الموالي والمعارض، فحقق إجماعا غير مسبوق أثمر تهدئة مكنت من تجاوز الخطاب العنيف والتنابز بالألقاب اللذين طبعا فترة العشرية، وتوافقا بين الفرقاء السياسيين ووزارة الداخلية قضى بالتوصل للتهيئة المشتركة للانتخابات العامة المقبلة، ويحدث ذلك لأول مرة في تاريخ المسار الديمقراطي بالبلد.

وفي المجال الاجتماعي، الذي يعتبر مربط فرس تعهدات رئيس الجمهورية، تم توجيه العديد من البرامج الممولة بالمليارات لفائدة الفقراء والطبقات الهشة في كل شبر من أرض الوطن، توزيعا للمساعدات النقدية والعينية، وتأمينا صحيا لأكثر من نصف مليون شخص معدم، وتمويلا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتشغيلا للشباب وذوي الخبرات والمهارات المختلفة، فضلا عما قامت به الدولة من جهد كبير ومقدر في مجال تنظيم وتأطير التنقيب الأهلي عن الذهب من خلال توفير الأمن والمياه والدواء والارشاد والتوعية والانقاذ.

وفي قطاع الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، الذي يعتبر أبرز قطاع نفذ التزامات رئيس الجمهورية وطبق برنامجه الانتخابي، تم بناء العشرات من المنشآت العمومية (مدارس، ثانويات، مستشفيات، سفارات، مجالس جهوية، ملاعب رياضية، دور شباب ومكبات النفايات، سكن أئمة...).

وقد عالجت مديرية العمليات الحضرية مئات الملفات المتعلقة بطلبات وتظلمات المواطنين، مع إعداد المذكرات الفنية، وعمليات تحديد المعالم، ومسوح تبوغرافية، وتحقيقات ميدانية، وأذون البناء، فضلا عما تم تشييده من أسواق وأحياء ستضم ساكنة الأحياء العشوائية، مع ما يتطلبه ذلك من بناء المرافق الحيوية وتوفير للخدمات الأساسية.

أما على المستوى الاقتصادي، فقد أعادت الدولة الدور المحوري والأساسي لشركة "سنيم"، بعد أن شارفت على الإفلاس، وقامت بتنظيم الصيد البحري ليمارس دوره الكامل في دعم الاقتصاد وتشغيل اليد العاملة.

وقد شهد قطاع الصيد إصلاحات جوهرية غير مسبوقة. 

وخلال السنوات الثلاث التي خلت، ولأول مرة في تاريخ الدولة الحديثة، أولى رئيس الجمهورية عناية خاصة للثروة الحيوانية وللزراعة المطرية، وذلك من خلال إشرافه الشخصي على أول معرض للثروة الحيوانية في الحوض الشرقي، وكذلك إشرافه على إطلاق الحملة الزراعية، خاصة المطرية، في ولاية الحوض الغربي، حيث يعتبر الحدثان التفاتة غير مسبوقة نحو الداخل الذي ظل مهمشا، وظلت ثرواته الهامة في مهب الريح.

كما أن ولايات النخيل نالت حظها من اهتمام رئيس الجمهورية، خلال السنوات الماضية من مأموريته الأولى، من خلال ما تقوم به شركة التمور من رعاية للواحات، ودعم وإرشاد للمزارعين، وتسويق للمنتوج الذي أصبح منافسا قويا داخل الأسواق.

وشهد مجال البنى التحتية قفزة نوعية أنتجت بناء العديد من المحاور الطرقية الهامة، ومئات الكيلومترات داخل المدن، وذلك وفق المعايير الدولية المعروفة في هذا المجال، ويجري العمل على إنشاء جسرين في العاصمة نواكشوط، في حين تم توقيع ثلاث اتفاقيات هامة، تقضي أولاها ببناء جسر روصو الرابط بين موريتانيا والسنغال، وتتعلق الثانية ببناء طريق سريع بين العاصمة نواكشوط ومدينة بتلميت، بينما تتمثل الاتفاقية الثالثة في توقيع اتفاق لتوفير قطار "تراموي" لحل مشكل النقل داخل العاصمة نواكشوط.

وعلى المستوى الخارجي، عرفت الدبلوماسية الموريتانية انتعاشا كبيرا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فعاد الدفء لعلاقاتنا مع دول الجوار ومع العديد من الدول العربية وغير العربية، كما عادت الندية والتوازن والاحترام المتبادل بين موريتانيا ومختلف دول العالم.

إن ذكرى الاستقلال تأتي اليوم بنكهة خاصة، حيث بات المواطن يشعر بدفء الوطن الذي لم يتركه فريسة للأزمات الصحية والغذائية العابرة للحدود.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

 

اثنين, 28/11/2022 - 13:21