افتتاحية الوئام : عززت المقابلة الشاملة التي أجراها رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مع وسائل إعلام محلية مستقلة وتم نشرها صباح اليوم الاثنين.. عززت قناعة المراقبين والمحللين بالحجم الهائل لاطلاع فخامته على مختلف الملفات، وقدرته الفائقة في تحري الإجابات المقنعة والمعززة بالأدلة، والتي تنبئ بذكاء خارق ودبلوماسية منقطعة النظير.
المقابلة كانت شاملة لمختلف الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والاقليمية والدولية.. ومع ذلك، يخيل للمتلقي بأن رئيس الجمهورية متخصص بشكل حصري في الموضوع المتناول، قبل أن يجيب على سؤال جديد يضيف للقناعة الأولى قناعة جديدة بتخصص آخر، وهكذا تنتهي المقابلة بقناعة راسخة مفادها أن ولد الشيخ الغزواني لديه الإلمام التام والاطلاع الكامل والفهم المتبصر لكل الملفات المحلية والاقليمية والدولية التي تناولتها أسئلة الصحافة.
ففي موضوع الفساد، وتقارير محكمة الحسابات والمفتشيةالعامة للدولة، أبدى رئيس الجمهورية استغرابه بشأن استدلال البعض بحجم الجهد الذي تقوم به هاتين المؤسستين والأجهزة الرقابية الأخرى وما يكشف عنه من اختلالات تسييرية كدليل يحسب على الحكومة بدل أن يحسب لها.
ويضيف فخامة الرئيس "لو لم تكن الحكومة جادة في محاربة الفساد لما وجهت المفتشية العامة بكشفه ولما تعاونت مع محكمة الحسابات وسهلت مهمتها".
فالفساد والتحايل على الأموال العمومية أو صرفها خارج الأهداف التي رصدت لها ظاهرة عالمية، يؤكد فخامة الرئيس، "حتى البلدان التي لها منظومة قانونية وممارسة إدارية وتجربة عريقة في هذا المجال لم تسلم منها".
كانت الشجاعة والشفافية باديتان في إجابة ولد الشيخ الغزواني على هذا السؤال، حيث أكد عدم نفيه لوجود ظاهرة الفساد، مرجعا السبب في ذلك إلى استحالة عدم وجودها في أي بلد، ولأنه شخصيا ليس "ممن يهتمون بخطابات ديماغوجية تغطي على الحقائق"، وقال "ما أنفيه هو تفاقمها وزيادة انتشارها في الأربع سنوات الأخيرة".
ولأن الفساد في بلادنا فعل تراكمي شهد منحناه صعودا كبيرا، وكبيرا جدا في بعض الفترات السابقة، فليس هنالك أبلغ من قول فخامة الرئيس أنه "كلما تحسن أداء نظام الكشف، ظهر الحجم الحقيقي لانتشار المرض في الواقع".
غير أن أسلوب رئيس الجمهورية في كشف الفساد ومعاقبة المتورطين فيه يعتبر أسلوبا جديدا وغير مألوف في تعاطي الأنظمة السابقة معه، حيث أنه لم يكن للاستهلاك الإعلامي ولا لتصفية الحسابات، بل إن فخامة الرئيس أوضح في المقابلة أنه أوصى أن "يتم ذلك من دون تشهير وبعيدا عن الاستغلال الإعلامي". وبالمقابل أكد: "لم يصلني تقرير نهائي عن أي مؤسسة بتوصيات محددة إلا واتخذت القرار المناسب على الفور، عقوبة إدارية كانت أو قانونية أو تقنينا".
تلكم هي طبيعة التعاطي الحالي مع ظاهرة الفساد، أما عن شكل التعاطي المستقبلي معها، فقد قال رئيس الجمهورية "أجدد التأكيد على عزمنا مواصلة جهود محاربة الفساد وتعميقها، بصرامة ومؤسسية، مع التنفيذ الحرفي لتوصيات تقارير أجهزة الرقابة. فالفساد، بطبيعته، مقوض لدعائم التنمية، بهدره موارد الدولة، وتعطيله المشاريع عن تحقيق أهدافها، وإخلاله بالعدالة التوزيعية للثروة، وهتكه قواعد دولة القانون، بما يضعف ثقة الأفراد فيها، ويصيب النسيج الاجتماعي في الصميم".
وعن التهدئة السياسية، لم يزد رئيس الجمهورية على توصيف ما رصده المراقبون وعايشه الساسة وشهد عليه الرأي العام، حيث كان نهج التهدئة السياسية بين الشركاء في الوطن قناعة راسخة وخيارا ثابتا ومسؤولية وطنية لدى ولد الشيخ الغزواني، منذ خطاب الترشح وحتى اليوم.
وخلال المقابلة أوضح فخامة الرئيس أن "ما تشهده مناطق عدة في العالم من عدم استقرار سببه في المقام الأول هو انقطاع خيط الصلة بين الشركاء في الوطن وسيادة منطق الإقصاء وتوفير الظروف المناسبة للتخوين والتشنيع والإقصاء".
لقد كانت التهدئة السياسية مكسبا وطنيا لجميع الموريتانيين يحسب لولد الشيخ الغزواني شخصيا، ومع ذلك أكد في المقابلة أن ذلك المكسب ما كان له أن يتم "لولا استعداد وتجاوب جميع الشركاء ومساهمتهم الفعالة في ترميم ما أفسدته الأجواء المتوترة والمشحونة التي سادت ساحتنا السياسية والاجتماعية خلال مراحل سابقة"، فحمل الجواب تواضعا جما بعيدا عن الأنانية وتحجيم أدوار الغير.
أما شق السؤال المتعلق بتهمة التضييق على الحريات وعدم احترام الحصانات الدستورية والقانونية، فقد أكد فخامة الرئيس أن "الفيصل في ذلك سيكون بالضرورة هو حقيقة ما حدث في الواقع ومدى احترام القانون فيما يتعلق بكل حالة"، مؤكدا أن "حقوق التظاهر والاحتجاج والتعبير، مكفولة بالدستور وبالقوانين لكنها في نفس الوقت منظمة ومقيدة ومضبوطة بالقوانين".
لقد حرص رئيس الجمهورية، طيلة اللقاء وردا على الأسئلة المتعلقة بملف العشرية والشكايات المتعلقة بالإساءات، على التذكير باحترامه لمبدأ فصل السلطات، مؤكدا أن السلطتين التشريعية والقضائية مستقلتان بكل ما للكلمة من معنى، وأن تعهداته وتوجيهاته في هذا المجال تم احترامها من قبل كافة مستويا السلطة التنفيذية.
وكانت إجابته المتعلقة بتذمر البعض من ظروف ونتائج الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية الأخيرة مقنعة ومفحمة إلى حد كبير، إذ لا دخل للحكومة في عملية سياسية تم التحضير بالإجماع والإشراف عليها من طرف لجنة مستقلة تحوز على تمثيل الكل.
وبخصوص الانتخابات الرئاسية تمسك فخامة الرئيس بموقفه السابق من احترام رأي الشعب والأغلبية الداعمة له في موضوع ترشيحه، مؤكدا أن الوقت لم يحن للحديث عن الموضوع.
المقابلة تضمنت إجابات وافية وشافية حول مواضيع متعددة تهم المواطن وتشغل بال الرأي العام، خاصة في المجال الاجتماعي، معززة بالأدلة والأرقام، كما شملت إجابات خبير ومتابع لما يجري في دول الساحل والصحراء، والعدوان على غزة.
لقد أظهر فخامة الرئيس قدرة فائقة على التعاطي مع الإعلام المحلي والدولي، من خلال مقابلاته التي لا تضع خطوطا حمراء أمام المحاورين، ولا تعجز عن الإجابة على التساؤلات، مهما كان مجالها وأيا كانت حساسيتها.
وكالة الوئام الوطني للأنباء