لم تكن الذكرى ال63 لعيد الاستقلال الوطني كسابقاتها من حيث الظرف الاستثنائي الذي تعيشه الأمة جراء المجازر والدمار الذي يمارسه الكيان الصهيوني بحق أهلنا في غزة بفلسطين المحتلة، ولذلك كان رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في طليعة القادة العرب الذين اعتلوا المنابر دفاعا عن القضية، بل إنه زاد على خطاباته الموغلة في دعم القضية الفلسطينية بتغريدات قوية وفورية، فضلا عن توفير الأجواء الملائمة لاستقبال قادة حماس والتظاهر المؤيد لأهلنا في غزة وجمع التبرعات لصالحهم.
ومع اقتراب موعد ذكرى الاستقلال، بلغ التضامن مع غزة ذروته بقرار إلغاء الأنشطة الاحتفالية المصاحبة للعيد الوطني، وكذلك إغلاق قاعات الحفلات أمام كافة المظاهر التي تدل على الفرح، باعتباره شعورا مؤجلا إلى ما بعد انتصار أهلنا في غزة وعودة البسمة إلى شفاه أطفالهم والإطمئنان لعوائلهم.
إن من أهم ما ميز ذكرى الاستقلال اليوم، الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية، والذي أطلع من خلاله الرأي العام المحلي على ما تحقق من جهود جبارة خلال سنوات حكمه الأربعة، حيث شهدت الإنجازات قفزة نوعية على مختلف المسارات في فترة تميزت بجائحة كورونا، التي أصابت الاقتصاد العالمي في مقتل، قبل أن تندلع الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي جاءت لتجهز على الاقتصاد الجريح وهو يحاول النهوض من كبوة الفيروس الخطير.
وخلال السنوات الأربع، التي مضت من مأمورية رئيس الجمهورية الأولى، ورغم كل التحديات العابرة للحدود، لم يكتف ولد الشيخ الغزواني بمجرد الوفاء بتعهداته التي قطعها على نفسه في أوقات الرخاء، بل زاد على الوفاء بها بما أملته ظروف الشدة المتمثلة في الأزمتين المتتاليتين ليخرج البلد والشعب مرفوعي الرأس، رغم الصعاب الجمة والعراقيل الكثيرة التي عانتها كل الدول والشعوب عبر العالم.
ففي المجال الاجتماعي، الذي يعتبر مربط فرس تعهدات رئيس الجمهورية، تم توجيه العديد من البرامج الممولة بالمليارات لفائدة الفقراء والطبقات الهشة في كل شبر من أرض الوطن، توزيعا للمساعدات النقدية والعينية، وتأمينا صحيا لأكثر من نصف مليون شخص معدم، وتمويلا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتشغيلا للشباب وذوي الخبرات والمهارات المختلفة، فضلا عما قامت به الدولة من جهد كبير ومقدر في مجال تنظيم وتأطير التنقيب الأهلي عن الذهب من خلال توفير الأمن والمياه والدواء والاتصال والارشاد والتوعية والانقاذ.
لقد تم الإسراع في دعم المواطنين الأكثر فقرا وهشاشة، وتعرضا للغبن والتهميش، من خلال بناء شبكة أمان اجتماعي واسعة، متعددة الآليات والأبعاد، درئا لتفاقم وضعهم المعيشي وتعزيزا لقدرتهم على الصمود، ومن جهة أخرى، تكثيف الجهود لسد النواقص وتصحيح الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، البنيوية منها والمؤسسية، والتي هي منشأ هذه الظواهر المقيتة، أصلا، حيث بلغت تكلفة الإنفاق الاجتماعي، خلال السنوات الأربع الماضية، ما يناهز 623 مليار أوقية قديمة، كما جاء في خطاب فخامة الرئيس.
وفضلا عن كل ذلك، تم تمكين المواطنين الأكثر ضعفا من النفاذ إلى الملكية العقارية في إطار برامج عدة أخرى، آخرها، مشروع حياة جديدة، الذي سيمكن في مرحلته الأولى من تمليك 9118 أسرة قطعا أرضية في محيط كامل التهيئة، وكذلك من النفاذ إلى السكن اللائق من خلال بناء 2300 وحدة سكنية، ما بين المنتهية بناء والمتقدمة أشغالا. ويأتي كل ذلك في سياق الإسهام في تجسيد أمل المستفيدين في حياة جديدة وعيش كريم.
وفي مجال الحريات الفردية والجماعية، تمت محاربة كافة المسلكيات التي تناقض حقوق الإنسان، فجرى العمل على تنفيذ الخطة الوطنية لمحاربة الإتجار بالأشخاص، وسن الترسانة القانونية الملائمة لذلك، واعتماد خارطة طريق لمواءمة القوانين مع المعاهدات الدولية المصادق عليها في هذا الإطار، وتقوية قدرات منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان.
وفي المجال الاقتصادي، تم القيام بجهد إصلاحي شامل على مستوى الحكامة الاقتصادية، فتم العمل على إصلاح منظومة الصفقات العمومية، وتبسيط وعصرنة المنظومة الجبائية، وانتهاج مقاربة جديدة في محاربة الفساد تقوم على المؤسسية والصرامة والاستمرارية، في حين تواصلت جهود السيطرة على التضخم الذي يتوقع أن يصل معدله في نهاية العام الجاري إلى 4,5% بعد أن كان في حدود 11% سنة 2022.
وكما ورد في الخطاب الرئاسي، فقد مكنت كل هذه الإصلاحات من المحافظة على التوازنات الاقتصادية الكبرى، وكذلك من تحسين مستوى النفاذ، كما وكيفا، إلى الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وتعليم وصحة.
وفي مجال الإصلاح الشامل للمنظومة التعليمية، تم إطلاق مشروع المدرسة الجمهورية السنة الدراسية الماضية "تمكينا لأبنائنا من الاستفادة، في ظروف متماثلة، من خدمة تعليمية ناجعة تؤهل شبابنا للانخراط النشط والفعال في الحياة المهنية"، بحسب الخطاب.
كما تمت زيادة عدد المعلمين بنسبة 79% قياسا بما كان عليه سنة 2019، وتوسيع البنية التحتية المدرسية من خلال تشييد 3600 قاعة درس، وزيادة عدد الكفالات المدرسية بنسبة 140%، فانتقل عدد المدارس التي بها كفالات مدرسية من 512 مدرسة، سنة 2019، إلى 1379 مدرسة، سنة 2023.
وفي إطار جهود الدولة لتكوين الشباب وتأهيله وفتح فرص ولوج الحياة المهنية النشطة أمامه، تم دعم التكوين المهني والتوسع في دعم وإنشاء مراكزه ومعاهده، وكذلك المؤسسات العليا المهنية كالمدرسة العليا للتجارة، والمعهد العالي للرقمنة، ومدرسة التكوين المهني والفني في مجالات الطاقة والبترول والغاز، فضلا عن بناء مركب جامعي جديد بسعة 11.000 طالب، كما يجري العمل على إنشاء جامعة للتخصصات العلمية، ستقوم دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة ببنائها. وقد تقرر أن تحتضنها مقاطعة توجنين.. وكل ذلك يندرج في إطار رؤية رئيس الجمهورية المبنية على تعزيز حضور الشباب في مختلف دوائر صنع القرار، وهو ما تمت البداية تجسيده.
وفي مجال البنى التحتية، تم بناء العديد من شبكات الطرق المدعمة بين المدن وفي داخلها، ويجري العمل على إنجاز الجسور، بعضها سيتم الانتهاء من أشغاله خلال الشهر المقبل، كجسر باماكو وجسر روصو.
وقد قام قطاع الإسكان والعمران بغمل جبار خلال السنوات الأربع الأخيرة، حيث قام ببناء العديد من الأحياء السكنية وتشييد عشرات المباني العمومية داخليا، فضلا عن سفارات وقنصليات في الخارج.
كما تم القيام بإصلاحات جوهرية في قطاعات الصحة والزراعة والثروة الحيوانية والصيد والمعادن... ومختلف القطاعات الحيوية.
ولم تكن كل تلك الإنجازات الكبرى لتتحقق، ولا لكل الصعاب أن يتم تذليلها وتجاوزها، لولا جو الانفتاح الذي بشر به رئيس الجمهورية في خطابي إعلان الترشح والتنصيب، وجسده على أرض الواقع في أول يوم له في القصر الرمادي، فتوفرت الأجواء المناسبة للانسجام والتعاطي الإيجابي بين مختلف مكونات الطيف الموالي والمعارض، ليتحقق إجماع غير مسبوق أثمر تهدئة مكنت من تجاوز الخطاب العنيف والتنابز بالألقاب.
وكالة الوئام الوطني للأنباء