الوئام الوطني ـ السنغال
أحدث قرار الرئيس السنغالي المنتهية ولايته الأخيرة، ماكي صال تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الـ 25 من فبراير الجاري إلى نهاية العام، أزمة سياسية خانقة، تهدد أعرق الديمقراطيات في المنطقة، وتنذر بانفلات أمني وسياسي في منطقة ملأى بالفِخاخ والانشقاقات.
جذور الأزمة
عرفت السنغال خلال السنوات الماضية حراكا سياسيا واجتماعيا، أثرت فيه الحركات الثورية، والاحتجاجات التي شهدها الإقليم والعالم، إضافة إلى تمدد مصالح الدول الكبرى وجعلها من إفريقيا ساحة "تقاسم نفوذ" وملعبا لكسر الإرادة بينها.
أدت تلك التفاعلات السياسيولوجية إلى وجود حالة "رفض" دائمة في الشارع السنغالي الذي اعتاد الهدوء، وتسليم السُّلط بطريقة ودية وهادئة.
وشهدت البلاد احتجاجات قوية وانفلاتا أمنيا جزئيا خلال أحداث اعتقال الزعيم المعارض الشاب عثمان سونكو، وقبلها موجة صراع بين آل واد والنظام الذي حكم في أعقابهم، وزاد الطين بلة تلك الحركات الشبابية العائدة، في أغلبها، من الخارج، بأحلام وردية عن مستقبل لم تعرف كنه فسيفسائه بعد!
تبرّم إقليمي.. وشركاء متشاكسون
لا يبدو البلد الإفريقي الساحلي بمنأى عن مرمى القلاقل التي تجوس خلال المنطقة، وتفتت الشرايين التي تربطها، سواء عبر الأحلاف الإقليمية أو التمددات الدولية، أو إكراهات المرحلة التي تتطلب إرضاء أكثر من طرف.
تكاثر شركاء داكار من المتشاكسين الدوليين، أمريكيين وروسا وأتراكا وألمانا.. فضلا عن الحليف التقليدي؛ فرنسا، جعل البلد في "خلطة" نفوذ لا تستقيم فيها المَيلة لطرف، مع ما جلبه التغيير الدراماتيكي في الثلاثي الذي رفع كارتا أحمر في وجه فرنسا، وخرج من تحت جلبابها وانسحب من مجموعة "إيكواس" بشكل "سريع، وسيادي".. وهو مالي وبوركينافاسو والنيجر.
صافرة الاندلاع
كانت كل الأمور تسير إلى "انتقال مضطرب" للسلطة، فالرئيس ماكي صال لن يترشح، بحكم الدستور، والانتخابات اقتربت لدجة ترتيب أوراقها.. لكن مع خروج لائحة المرشحين وغياب أهم معارضَين عنها، بدأت الأمور تأخذ منحى آخر.. اتهامات للنظام السياسي بالتدبير لخلطة ما، تذيب القوى الحية في البلد، ورمي أعضاء بالمجلس الدستوري بأخذ رشاوي مقابل إسقاط مرشحين معارضين.. ما دفع الأمر إلى حافة الاحتراب، وتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في ذمة المجلس الدستوري.. ووسط حلقة الانتظار المفرغة.. جاء القرار الرئاسي المفاجئ بتأجيل الانتخابات حتى الـ15 من ديسمبر 2024.
امتلأت شوارع داكار بالتظاهرات واعتقل مرشحون ونواب في البرلمان، وتنادت المنظمات الإقليمية والدولية لاستكناه أفق الأزمة، والمطالبة بحل سياسي يجنب البلاد السير على منوال طالما تجنبته وحافظت على صورتها كدولة ديمقراطية ناضجة في المنطقة، فلم يسجل فيها انقلاب عسكري منذ استقلالها عن فرنسا قبل أكثر من ستين عاما، كما أن أغلب قادتها ومعارضيها من النخبة التكنوقراطية.. وهذا ما يجعلها، مع موريتانيا، آخر معاقل الاستقرار في منطقة ملتهبة، لا يكاد نظام فيها يستقر حتى يثِب عليه آخر.
وإلى حين رسوّ الأزمة السنغالية على برّ آمن، تتحسس جيرانها مآلات الأزمة، متسلحة بضرورة اليقظة، والمسؤولية وضبط النفس.. والتهيؤ لكل الاحتمالات!
متابعة : عبدالرحمن جارالله