يريد البعض ألا يتم التنويه بنجاحات كبيرة مؤكدة تحققت، رغم عثرات تسييرية محققة، على أكثر من صعيد وقد شكلت منعطفا هاما في المسار التنموي، على الرغم من كثير صعوبات وعديد عقبات، ونجاحات أخرى جلية على المسارين السياسي والأمني، أوجدت حالة من الهدوء السياسي كان مفتقدا واستتباب أمن واستقرار كانا هشين بعد ضبط محاولات غرضية لزعزعة الأمن وزرع الرعب.
إنها حقائق تثبتها كلها شواهد ملموسة على أرض الواقع، توثقها بيانات من مصادر متخصصة، وتعضدها أصداء وجيهة من وحي العلاقات الدولية والإقليمية، وقراءات موضوعية في الاوضاع المحلية. وإن لم يكن المجال الاقتصادي حقق مرجوا كان منتظرا لـ:
- خلق توازن ببين العرض والطلب،
ـ وحصول تقنين استغلال المقدرات المتوفرة من معادن نفيسة متنوعة،
ـ وتمكن من الإحاطة والحماية والاستفادة المحسوبة من ثروات البلد البحرية الكبيرة،
ـ وتحسين استغلال أراض ضفة النهر الزراعية الخصبة،
- وضمان ترشيد لمناجم معادن الحديد والنحاس والذهب،
ـ وتحقيق تطوير وتحسين لثروة حيوانية هائلة بأعدادها لكنها فقيرة في لحومها وشحيحة في منسوب ألبانها،
- وإنشاء صناعة تحويلية من المواد الأولية والخام الكثيرة والمنوعة، لتلبية حاجة سوق تتسع وتزداد نموا بوتيرة متسارعة،
فإن الأسباب التي أخرت التنفيذ الكامل لبرنامج رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني الطموح متعددة، منها ما هو مرتبط بالأوضاع الدولية التي وصمها وباء "الكوفيد" بالركود الشديد، وتأثر العلاقات الدولية بانعكاساته الخطيرة على الصحة والاقتصاد والتعاون الدولي والتبادل التجاري، على الرغم من حسن تعامل الدولة مع الجائحة بشهادة العالم. وكان رئيس الجمهورية قد أصدر، منذ الوهلة الأولى، في خطوة سباقة، تعليمات صارمة باتخاذ كل الإجراءات الممكنة للحيلولة دون وقوع أضرار كبيرة ولتفادي انتشار المرض بين السكان.
وعلى الرغم من الركود "الغير مسبوق" الذي ألم بالاقتصاد العالمي، استطاعت موريتانيا بفضل باقة من الإجراءات الاستعجالية، الاستباقية والاحترازية، على غرار دول قليلة في القارة والعالم، أن تحافظ على توازن معقلن مكن في النهاية من تجاوز الأزمة العالمية وتسجيل أقل انعكاسات سلبية خطيرة لم تسلم منها حتى أقوى الدول اقتصاديا وأكثرها مقدرات وموارد.
وعلى الرغم كذلك من تأثر البرامج التنموية الطموحة، المدرجة في خطة الإقلاع الاقتصادي، بسبب تغير الأولويات المفاجئ وبفعل ضرورة تحويل وجهة بعضها إلى تغطية الجانب الاجتماعي الذي تضرر كثيرا من الجائحة وفرض إلزامية العمل على تفادي مضاعفات الفقر والعزلة التي خلقتها ظروف الحجر الشديد بقرار من منظمة الصحة العالمية ألزمت به الدول.
وفي ظل هذه الظروف الطارئة وما أعقب ذلك من عوامل الانكماش الاقتصادي العالمي، كان لابد من مراجعة الأولويات وتكييفها مع المستجدات الصعبة. وبالمقارنة مع الكثير من الدول، ومنها المجاورة، فإن تعامل الدولة مع الجائحة، بشهادة منظمة الصحة العالمية والدول الغربية التي تضررت كثيرا، كان محل تقدير ومثالا في ضبط الأمور بقوة وحكمة حتى لا ضرر كبيرا ألم بالبلد على كافة الأصعدة.
وعلى الصعيد السياسي فقد كان التشاور، مع زعامات كافة الأطراف السياسية أحزابا وتيارات، ومع رؤساء التيارات والحركات الحقوقية الذي افتتح به الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مأموريته، مبادرة شجاعة وبادرة حسنة وخطوة وطنية حصل على إثرها انفراج كبير وهدوء غير مسبوق في الساحة السياسية المضطربة؛ انفراج أعقبه تشاور اتسع لكافة الأطياف السياسية ومكونات المجتمع المدني.
وفي الجانب الاجتماعي الهام، كان العمل الذي قيم به كبيرا والإنجازات معتبرة. وقد استفادت وما زالت تستفيد بفضل "تآزر" - التي تعمل بصمت - الفئات الهشة والطبقات الفقيرة، من مساعدات هامة بعضها بصبغة الدوام كالتأمين الصحي والأغلفة المالية الشهرية والمشاريع المدرة للدخل لصالح الشرائح الفقيرة والهشة.
ولا شك أن التعليم، الذي أعطاه رئيس الجمهورية أهمية قصوى تجسدت في التركيز على إعادة المدرسة الجمهورية للجميع، مازال يعاني من نواقص كبيرة متعددة الأوجه تربوية ومنهجية لوجستية مستعصية على الحل، وأن التغطية الصحية ما زالت دون المستوى بفعل غياب الاستراتيجيات العلمية والمهنية وسوء حكامة القطاع.
وشهد الاعلام العمومي تغييرا، سيكون له ما بعده، بتنقيته وتعيين أكفاء بدأوا بترتيب الأوراق وتخير المهنيين الأكفاء، الملتزمين بضوابط المهنة ومساطرها التوجيهية والأخلاقية.
وعلى صعيد البنى التحتية تحققت إنجازات كبيرة من زرق وبنايات مستقلة ومجهزة لعديد القطاعات التي كانت متشردة تستأجر مقراتها في زبونية مقيتة وتحايل كبير على المال العام. وهي إنجازات عالية القيمة ورفيعة الدلالة لأنها أعادت للدولة هيبتها واعتبارها وكسرت عادة اختلاس كبير يستنزف كل عام مئات الملايين من الخزينة العامة للدولة على حساب متطلبات التنمية الكثيرة ورواتب العمال والحاجات المكتبية.
وإذا كانت برامج تعهداتي لم تنجز كاملة للأسباب الخارجية التي منها جائحة الكوفيد وحرب أكرانيا وتداعيات الحروب الباردة العديدة والإرهاب وحرب غزة من ناحية، فإن الأسباب الداخلية ومن الفساد المستمر والنهب الممنهج والاحتيال تحت سقف الاعمال والتجارة في تحد سافر لكل القوانين والضوابط التي وضعت لردع أهله المحتمين بالقوالب الاجتماعية العصية على الانزياح والمتمردين على وزعة الدين والأخلاق والضمير والوطنية؛ فساد يفوق في إضراره كل تصور ويرتهن برامج رئيس الجمهورية الطموحة لمزيد من التأخير.