من ميناء نواكشوط المستقل المعروف بميناء الصداقة إلى الأكاديميةالدبلوماسية /حكاية موظف غير مصنف

 

قصدت  ادارة  ميناء الصداقة  اول امس  الموافق ليوم الخميس الرابع والعشر  من مارس سنة  2024  و ذلك بغية تسلم    رسالة   من فوق الماء  عنوانها   "  الذهاب الى التقاعد "    بحجة انني  سابلغ   في الثاني والعشرين من ابريل 2024 
( ان شاء الله .. فالاعمار بيد الله ) 
 ثلاثا و ستون سنة  الامر  الذي  يخولني  الاستفادة من  حقوق المعاش طبقا  للقوانين و النظم المعمول بها و حينها  ستتخذ  ادارة الميناء قرارا  بذلك  و عليه فان العد التنازلي  لانهاء  ارتباطي بالمؤسسة العمومية التي أعارتني  للدولة  بطلب من هذه الاخيرة  قد  بدأ  ..
  استلمت الرسالة من ادارة المصادر البشرية موقعا  على نسخة منها  كما   اكدت  الاستلام  بموجب رسالة  وجهتها  الى المدير  العام لميناء الصداقة  و ادعت  أصلها عند كاتبته الخاصة  الرائعة خديجة  بنت الكبد - حفظها الله ورعاها -  مذكرا  فيها  بالمبادىء العامة  التي  تنطبق على  حالة   انهاء   عقد العمل ولو  بسبب  التقاعد   و التي تقتضي ان يتم الانذار   من الطرف  الطالب 
 قبل الموعد  بثلاثة اشهر ..و هو أجل يندرج  ضمن الحقوق و الالتزامات المنصوص عليها قانونيا..
حيث انه  كان  من المفترض ان  استلم   الرسالة  في الثاني و العشرين من ينيار  المنصرم لكن المصالح الإدارية لم  تنتبه لذلك  لان  اسمي  غاب  عن لائحة المعارين  المستفيدين من الامتيازت و قد  تسببت  في ذلك الغياب  عمدا  لا  سهوا  لما  كتبت  الى  ادارة ميناء الصداقة  طالبا  منها ان تضعني   في حالة المعار  بلا   امتيازات  على خلفية   تعييني في منصب المدير  العام للأكاديمية الدبلوماسية الموريتانية .. 
حصل  ذلك  على ضوء  المراسلات الادارية  حول الاطار القانوني  و التنظيمي  لرواتب أطر  المؤسسات  العمومية المعارين   لشغل  وظائف  في الحكومة  او  في جهاز الدولة .. و الذين لا يحق لهم  الولوج الى الوظف العمومية بموجب   تعيينهم  في وظائف سامية..
و رغم كون  النظام الأساسي  لعمال  ميناء الصداقة ينص    في تلك الحالة  على  امكانية  احتفاظ  الإطار  الذي  تم  تعيينه  بامتيازاته ..   فضلت ردعا  للشبهات    التنازل  عنها   بعد زوال  العلة في المطالبة  بها  سابقا .
و  بعيدا  عن تفاصيل قصة  اجل الانذار    و مسالة  الراتب و الامتيازت التي   سيتم- ان  شاء الله - طرحها  تقنيا  في محلها  و طبقا  لما  تقتضيه  الالتزامات  المترتبة  على وظيفتي الحالية  مع  مراعة ما يلزم من واجب التحفظ الوظيفي ..
 و  هي قصة طويلة  قد   اعود  اليها  باذن الله  ضمن   سلسلة كتبتها من   من قبل و  سميتها "  رحلة  في الوظيفة العمومية " ساكتفي   في هذه الحكاية  بوصف الشعور  الذي انتابني  يوم زيارتي  لادارة ميناء الصداقة  حيث لم يبقى من الوجوه التي  عرفتها  ابام التأسيس   سوى افراد يعدون على رؤوس الاصابع  ..
و قد   اختفت عن الانظار  مكاتب النشأة  الاولى  حيث  بدأنا العمل في ظروف قاسية   يطبعها نقص حاد  في التجهيزات و اللوازم  و اخطر من ذلك  في  التجربة  و في علم  الموانىء   و  كنا حينها   ثلة  من اوائل  الأطر  تتقاسمها الاحلام  و الصعوبات  في بناية خصصها  التعاون الصيني  للادارة  و   كنا  نحمل معنا   أمل امة باكملها .
ذلك لأن انشاء ميناء الصداقة  ثم تدشينه في سياق التعاون المثمر و البناء  بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية و جمهورية الصين الشعبية كان بمثابة استقلال جديد لموريتانيا...
و قد من الله  علينا  بان  توفق  قيادة البلد  حينها    بتعيين  احد خيرة ابناءه و اكبرهم  كفاءة و نزاهة كاول مدير  عام  لميناء الصداقة اعني المغفور له باذن الله حسن الذكر احمد ولد الزين رحمة الله على والدينا وعليه. الذي  تعلمنا منه ايام التاسيس  قاعدة  بسيطة مفادها  ان انجاز المهام  يكون  في اجل محدد  او لا يكون  و ان  من لا يستطيع المساهمة  في تحقيق الاهداف المرسومة للمؤسسة عليه الاستعداد  لمغادرتها .. 
تذكرت  ذلك العهد  و انا  ادخل لاول مرة  -   على  المدير العام الجديد   لميناء الصداقة   بعد  تعيينه  اعني    معالي الوزير و المحامي  و الوجه  السياسي المعروف و اضافة الى ذلك  اخي العزيز   و ابن اهلي الاعزاء   الاستاذ  سيدي محمد ولد محم.   
و الحقيقة انني لمست  في حديثه  فهما ذكيا  لما تتطلبه المرحلة  من تحقيق الاهداف  في سجل  الأولويات  خصوصا    عزمه  على تغيير واجهة الميناء في اقرب الاجال   عبر   اعادة  تاهيل  المنشآت القديمة    و    انارة الجسر   و الرصافة القديمة و تبليط  ما امكن من الطرق و الممرات  التي تؤدي الى جميع المنشآت و المكاتب الموجودة  في الميدان المينائي .. كل ذلك وفقا  لمخطط  معلق في مكتبه   سيعد  انجازه  ان شاء الله  ضمن  معلقات  الانجازات ...
كما  لفت انتباهي  وعيه التام بضرورة السلم الاجتماعي الذي  يعبر  عنه  بمفهوم " شراء العافية  " القاضي بمراعاة  جدية و فعالة   لحقوق  الحمالين  بوصفهم  فئة  هشة  معرضة  للحرمان  من التوزيع العادل للثروات الوطنية.  فحدثني   عن ما قام به  في هذا المجال   و  عن   انشاء  مؤسسة  للتضامن الاجتماعي ..   
و قد  حدثته  بما  عرفته  عن شراء  العافية  و عن  ملف الحمالين  الحساس  ايام ادارة المغفور له بإذن الله العقيد محمد محمود ولد الديه  رحمة الله على والدينا وعليه  الذي استطاع   بسر  من  اسرار  الدولة  و طبيقا  لاوامر  عليا   ان يوفق  في ادارة الملف طيلة  خمسة عشر سنة .. شهد  فيها ميناء الصداقة  سلما  اجتماعيا  ملحوظا.
ثم  تحدثنا عن افاق التنمية المينائية و علاقتها  بتنمية  مدينة نواكشوط لان مؤسسة الميناء تعتبر  مركزا اساسيا  لتنمية المدن المطلة على البحار و كذاك  لإعمار  السواحل و استغلالها  المحكم    فطال الحديث الشيق..  و ادركنا الوقت الضروري للعصر  فاقترحت عليه  ان نصلي  معا قبل انصرافي   فأصر  على ان اصلي به محتجا بالعلاقة الاجتماعية التي تربطنا  فقبلت ذلك   بعد  ان ذكرته  ان بعض اهلنا  عصي  على  تقديم  غيرهم   للامامة .... و تلك  حكاية اخرى . 
المهم  عدت الى مكتبي في   الأكاديمية الدبلوماسية  الموريتانية  محملا  بذكريات من الماضي  يضيق  المقام عن ذكرها و لعل اهمها هو  انني تذكرت ايام  تكليفي - ضمن لجنة من الخبراء -  بصفتي  المستشار القانوني لميناء الصداقة 
في سياق  ما  يعرف  باعادة التاهيل البنيوي  للمؤسسات العمومية 
 بصياغة اول  اتفاق برنامج من نوعه  تم  اعتماده بقوة القانون  رسمنا بموجبه   جملة  من الاهداف التي   يتعين   على المؤسسة ذات الطابع   التجاري و الصناعي  تحقيقها في اجال محددة وفقا  لمعايير  الانتاج و قد تمكنت مؤسسة الميناء رغم  اكراهات الخوصصة الليبرابية    بفضل تعاون ادارتها و أطرها  و عمالها من  تحسين ادائها و مردوديتها...
تذكرت  ذلك  بعد   عودتي  الى المكتب الحالي   حيث  شاءت الاقدار  ان احصل  على ثقة السلطات العليا للبلد ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني  الذي بلغني إصراره    على تكليفي بمهمة ادارة الأكاديمية الدبلوماسية الموريتانية و هي مؤسسة عمومية  ذات طابع إداري  تم إنشائها في عهده و بتسمية  منه ..
و بناءا  على تلك الثقة     قمت  غداة  تعييني كمدير عام للمؤسسة    قبل عام ونصف  برسم  اهداف واقعية  تحقق جلها  كليا  او جزئيا  و سعيت    الى  ان تتحقق كلها ..و يمكن  القول ان الأكاديمية الدبلوماسية الموريتانية  وضعت على السكة و انها  صارت اليوم مؤسسة عمومية يراد  لها طبقا  لنصها  التأسيسي ان  تكون رافعة لا خافضة للعمل الدبلوماسي و ذلك من  خلال تكليفها  بمهام  تحسين قدرات  العاملين  في الجهاز  الدبلوماسي  و الاستشراف و الدراسات الاستراتيجية و تنظيم نشاطات الدبلوماسية العمومية  الي  غير ذلك من المهام  التي تتطلب توظيف  الخبرات و الكفاءات و التخصصات.. و يبقى الاهم  هو مستقبل المؤسسة الذي  لا  يجوز  اطلاقا  ربطه  بشخصي  و لا  بشخص اخر  فأهم  ما  في هذه  الحكاية هو   التنبيه على  ضرورة  ثقافة  المؤسسات العمومية  المعينة  على تحقيق الانجازات   .. لمصلحة موريتانيا فوق كل اعتبار..

هنا انهي  هذه السطور التي حاولت  فيها  تلخيص حكاية  قد اعود  اليها باذن  الله ضمن  ما  يعرف  بمراد  اهل  رتريت  ... ( قصص المتقاعدين ) 
حكاية  موظف غير مصنف تقلد  ذات  عهد  مضى  على خلفية تعيين  سياسي   منصبا   حكوميا  فصار  موظفا    بعد  ان  كان وزيرا ...
عبد القادر ولد محمد

سبت, 16/03/2024 - 17:26