من الغرائب التي تتكرر من حين لآخر على فضاء التواصل الاجتماعي، الذي يتيح الفرصة لكل من امتلك هاتفا ذكيا ولوحة تحكم ورصيدا للربط بالشبكة العنكبوتية أن يصبح مفكرا ومنظرا مهما كان مستواه المعرفي ومهما كانت حداثة تجربته في الحياة، من تلك الغرائب أن يحاول البعض اغتنام فرصة أي حدث يجري في جارتنا الجنوبية السنغال ليعتبرها قدوة لنا، ومثالا يجب أن نحتذي به.
وحتى لا يفهم كلامي خطأ فنحن نقدر الشعب السنغالي ونكن له الكثير من الاحترام، فلدينا معه الجيرة والنسب والمصالح المشتركة، كما أننا نحترم له الطريقة التي يدير بها شؤونه ويختار بها من يمثله ومن يسوسه، فذلك شأنه الداخلي الخاص الذي لا نقحم أنفسنا في تفاصيله.
لكني أقول لهؤلاء الباحثين عن قدوات خلف الحدود إن موريتانيا كانت وستبقى قدوة للآخرين، لا على المستوى الاقليمي والقاري فقط، ولكن على مستوى العالم، حيث كان علماؤها وتجارها على مر التاريخ قدوة لكل الشعوب التي حلوا ببلدانها.
وفي الدولة الحديثة، ومنذ الرئيس المؤسس المختار ولد داداه وحتى الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني ظلت موريتانيا قاطرة تجر وراءها آمال وتطلعات الآخرين، وقدوة للجوار وما بعد الجوار، حتى أن بعض أنظمتها التي لم تكن على مستوى المكانة التي تحتلها الدولة والمجتمع، جنت ثمار تلك السمعة الطيبة التي بناها الأجداد وتعهدها الأبناء وحافظ عليها الأحفاد.
إن على هؤلاء، المتجاهلين لقيمة بلدهم، أن يعوا بأن موريتانيا والسنغال دولتان مختلفتان في نسيجهما الاجتماعي وموروثهما الثقافي، وحتى في أهميتهما لدى المستعمر، الذي احتضن السنغال وأقام بها البنى التحتية، ودافع عن وحدة اراضيها، عكس موريتانيا التي تركها قاعا صفصفا لا ترى فيه إنجازا، وهو محق في ذلك بعد أن أدرك أن شعبها عصي على المسخ والتبعية العمياء.
فلأؤلئك المنبهرين بالبنى التحتية الفرنسية التي تركتها في السنغال أقول إن باريس تركتنا نبحث عن مكان لإقامة عاصمة دولتنا الفتية، وأن كل نظام حكم البلاد وضع لبنة تحديث، وآخرها جسر التآزر، الذي دشنه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال الأيام الأخيرة، ليكون بذلك أول جسر تتم إقامته داخل إحدى مدن البلاد، في حين استيقظ السنغاليون على جسور وطرق وعمارات وموانئ غداة استقلالهم وقد بناها المستعمر الصديق.
ومع ذلك، فإن سواعد الموريتانيين، وإرادة بعض قادتهم، قد أنتجت طرقا وموانئ وعمارات... وغيرها، بأموال دافعي الضرائب، لا بأموال المستعمر.
وعلاوة على كل ما تقدم، فإن الشعب السنغالي، في معظمه، يعيش فقرا مدقعا على مرأى ومسمع من سلطات بلاده، في حين تتكفل الدولة الموريتانية اليوم، وبأوامر ومتابعة من رئيس الجمهورية، بثلث ساكنة البلد من الفقراء والمعوزين، وذلك من خلال تقديم المساعدات النقدية والعينية ومنح التأمين الصحي، فضلا عن تشغيل آلاف الشباب غالبيتهم في أماكنهم الأصلية، وكذلك دعم التعاونيات الناشطة في مختلف المجالات، ومنح القروض الميسرة لأصحاب المبادرات المدرة للدخل.
وأخيرا، فعلى من يسعى للمقارنة بين موريتانيا والسنغال أن يقارنهما على مختلف المستويات، وأن يشرك السنغاليين الهاربين من جحيم وطنهم إلى نعيم وطننا في النقاش، حتى يتبين أن كفة المقارنة ستميل لصالحنا، ولا فخر.