أعلام ظلمهم المؤرخون.. سيِّد قومه أحمد بن أبنو (الحلقة7)

أحمد بن أبنو التندغي الحلي (ت. 1346 هـ):

هو سيد قومه ورئيسهم أحمد الملقب امّيْ بن عبد الله الملقب أبنو بن محمذن بن الدنبجه بن أحمد شريف الحلي التندغي، أمه ابنة عم أبيه مريم بنت أحمذنا الله بن أنحوي الملقب ابيه بن أبي،

نشأ وترعرع وشب على ما تعوده ناشئة قومه وشبابهم من سعي حثيث لتحصيل العلم والعمل به واكتساب المعالي والقيم الفاضلة وتمثلها والتنافس على التخلق بها.

تدرج في محاظر قومه، حتى أناخ بباب علامة عصره وفريد دهره لمرابط محمذن فال بن أحمدو فال فأخذ عنه جل العلوم المحظرية المتداولة، وضرب في كل فن من فنونها بسهم، وشفى منه الغُلة، ثم علّ ونهل من زلال بحر شيخه الزاخر بكل قيم الفضل والخير والإصلاح، حتى نال من كل ذلك غاية مبتغاه.

كان الرئيس أحمد أبنو سيدا نبيلا، عالي الهمة، شريفا في قومه من طرفيه، مستكملا لشروط الفتوة في عصره ولدى محيطه الاجتماعي؛ ساس عشيرته طوال الربع الأول من القرن العشرين في فترة سياسية دقيقة وحساسة من تاريخ المنطقة، بحكمة وصبر وأناة... 

قد تبدو المهمة بادي الرأي سهلة وميسورة في مجتمع نخبوي نسبيا كمجتمع الزعيم أحمد، لكنها ليست كذلك في مجتمع يُساس بالقدوة لا بالقوة، ويتنافس فتيانه على خطب أبكار المعالي قبل أن يبلغوا الحلم، ولا يقبلون أن يتميز عليهم قريب ولا بعيد بمكرمة، فهم كما وصفهم الشيخ محمد أحمد بن الرباني (ت. 1353 هـ):

يا حي تندغة الذي عزّ الورى 

يأتي بما يزن البعوضة منكم

 

فلأنتم نفع العفاة وأنتم 

دفع الجفاة وأنتم، ما أنتم؟

 

ما إن رأيت كمثلهم قوما على

وقْع الشدائد والنوائب، من هم؟

 

قوم إذا ذكر القبيح تأخروا 

طرا وإن ذكر الجميل تقدموا..

 

نجح الرئيس أحمد بفضل حنكته ودرايته واجتهاده في تحويل المنظومة القيمية التي أودعها خلاصة تجربته الشخصية الطويلة وتراكمات تجارب من عاصروه ومن سبقوه من سادة قومه في التصدر لتسيير الشأن العام، من منظومة نظرية إلى منظومة عملية، وترجمتها في أسلوب أدبي رصين إلى دستور قيمي خالد ومعلقات تُحلي جيد الزمان، يحرص الصغير على حفظها والتغني بها، ويتمثل بها الكبير ويضعها نُصب عينيه اعتبارا وتنزيلا وتطبيقا، وتتوارثها الأجيال في عموم فضاء البيظان بمفهومها الحضاري الشامل، باعتبارها تراثا مشتركا يسع كل الناطقين باللهجة الحسانية.

 

يقول الرئيس أحمد في إحدى معلقاته:   

ماصالح شِ دونْ ازگالْ ** وكلْ اجْماعَ جرّبناها

ماتبغِ ماهُ حد اگبال ** يزگل شِ فالدهر امْعاها

 

ولابد ﺃﻣﻨﺎﺩﻡ ﺝَ گـﻮّﺍﻝ ** ﻟﺠﻤﺎﻉَ وعودْ اللّمْشال

ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺮﺍﺹ اﺻْﻞ ﺩﺧّﺎﻝ ** ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﻫﻢ ﻳﺴﺘﺒﻘﺎها

مولَ فصاحَ واحتيال ** والبلاغَ يستقصاها،

ﻟَﺠﺎﺏ اﻛﻼﻡُ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻤﺎﻝ ** ﻭﺍﻟْﻔﻆْ كلمَ ﻭاﺳْﻤﻌﻨﺎها

ﻭﺃﺗﻠﺒﻨﺎﻩْ اﺑﻠﺴﺎﻥْ ﺍﻟﺤﺎﻝ ** ﻭحْن ﺩﺧْﻝِ حمّقنـﺎها

إشكنّو ﻋﺪّﻝ تعداﻝ ** ﺩﻭﻥ ازگال ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺀاااها

ماصالح شِ دون ازگال...

 

ولابد امنادم گام وعاد ** فاضل وامحصّل من لمْراد

واتْمابيه اتمابِ لجْواد ** عـن معــطَ بيــه الفـراها

مرّ يداع هاكْ اعنادْ ** حدْ ابْشوفَ يدّعاها 

ومرّ يظْكر زاد اعداد ** امن الدراهم ما طاها 

ومرة يقصَدْ زاد التّحيادْ ** عن لمسيدْ ابحيلَ راهَا

دون أزكٌال امع لعباد ** يسو شنهِ يستوفاهَا،

وامع ذاك اشكنّو زاد ** ألفضليّ ما خلاها

وزاگلْ خلاهْ وذ گاد ** يدرگْ فالناسْ ويخفاهّا

ما نللَّ ملان َ مارادْ ** عنَو يخفاهَا، معماهَا!

ماصالح شِ دون ازگال...

 

ولابد امنادم بوه اكريم ** وللٌ گط ْاشيّخ ْلقليم

وللٌ مُولَ علم وحكيم ** واصلُ حرفت بوه اجلاهَا

ما غاديلُ فيهَا واغشيم ** وابٌاتُ ياسر مزٌاهَا

ماتت فالغلظْ وكبر الخيم ** وهو ذيكْ ارْجل حوشاهَا

ما گطْ ادخل ذاك التمتيم ** فوجهها ولل فگفاها

ماه مول امروّ لئيم، ** ماهِ مسلتْ علم وعاها

ؤ شكنّو باعظام الرميم ** يغلَ بغلاها مگساهَا

ماصالح شِ دون ازگال...

 

گولُ للْحدْ الّ يسكتْ ** عن گومو فامْسيدْ اجتمعتْ

وللّ فامْر اعْظيمْ اشْتغلتْ ** واسْكاتو مّنْعَ وَساها

عن معطاهْ الْشيهْ، وعرفتْ ** گوْمُ حالو ذاكْ امعاها،

لا ينسَ راص الگاف الگلت ** حكمَ ما يمْكن ينساها

ماصالح شِ دون ازگال...

 

تجْوال التخمام افْلعوام ** ماريناه إگدم لخيام

تگديمتْ لخيام ابْلكلام ** دون أزگال احگرناها

واكلام إدل اعل تگدام ** وحدو ماهو شِ معناها

ماصالح شِ دون ازگال...

 

والّا لُتمتْ بعد الناسْ ** تسّاوَ فزاگل يملاس،

تعْدلْ فيهْ امْع كون السّاس ** ألّا فأكثر مالْ، أقواها

فالمالْ، ومدّ زاد أجْناس ** فالمُلكْ المَمْلكْ سَواها،

ومولْ اشويْ ألاهُ حسّاس ** فزاگل، ماهِ نباها

صوْع اجّوْدَ فيهْ وينقاسْ ** اعل مول أكثر، سفاها،

ولِّ عاد من أزاگل عاس ** گبْل العطيّ ووراها

گلولو كامل ماه اباس ** يالناس وياجماعَ جاها 

ماصالح شِ دون ازگال...

 

كرْهْ اَزَاڭلْ ذ الدّهْر إٍبانْ ** اتْواسَ منْ خَوْفْ السّبْحانْ

والخْمولْ اتواسَ منْ شانْ ** الطاعَ، والبُخْلْ إمْعاهَا،

ما گَط اسْمَعتْ افْعَد أركَانْ ** الدِّينْ البٌخلْ، ومَنشَاهَا:

لَايْ الّ جانَ فالْقرآنْ ** مُحْكَمْ نُصوصُ اگَريناهَا،

والبَذْلْ ؤلِمانْ ؤلِحسانْ ** شِيَمْ للمصطافَ طَه

وذاكْ ادْلِيلْ امْتِينْ ؤبُرهانْ ** عنْ البٌخْلْ ارذلْ سَفاهَا

وذاك ال ماض من لوزان ** والطلع راع مبناها:

 

ماصالح شِ دون ازگال ** وكل اجماعه جربناها

ماتبغِ ماه حد اگبال ** يزگل شِ فالدهر امعاها.

 

ويقول في مُذهّبة قيمية أخرى تنبض حكمة وعذوبة:

 

مّدّ ماهْ اجماعَ تخْسرْ ** والسّعر اتْخليهْ الَ فيهْ

واتخلِّ لمْرْ إلَ يكبرْ ** وفوتْ الِّ مُداركْ فيهْ 

 

التّجمعْ فيهْ الرّاحَ ** والسّاسْ وگلت لفْظاحَ

والعزْ ومسْلتْ لِباحَ ** وقْتْ المعطَ مرتبطَ بيه

ولا يورَ دون السماحَ ** فاهلُ والرئيس وكافيه

مّدّ ماهْ اجماعَ تخْسرْ

 

تم گومو للدهر انتاج ** وارعاكم فيه امن اغدّاجْ

ما منُّو للدرجَ تنتاج ** ولا منّو للمال اسْتبقيهْ

وِوَدِّ لَهلُ ظِيگ اناج ** والرِّگّ والحرْ الَحْميه

والحدْ المُقلْ أبَراجْ ** لا يُحمَّل شِ ثگلْ اعْليه

ولِّ فيْدو شِ لا يعواج ** بلِّ فيدو، لِعوَجْ يلْغيه

هذا بعد أراه يحتاج ** لجماعَ حذّاگْ اتْواسِيهْ

مّدّ ماهْ اجماعَ تخْسرْ...

 

واسْوَ يُفاصلْ لمْعدّلْ ** منكمْ عن گومُ فالمَحْفلْ

لمْعدّل يَسْوَ يُبجّل ** والناسْ اسْو كامل تبْغيهْ

والثانِ يسوَ يُنزّلْ ** عن منزلْ نُزلُ ماهُ فيهْ

هذا نصُّ جايْ افْمحلْ ** الحديث: "أمرتُ..." راعيه

 

مّدّ ماهْ اجماعَ تخْسرْ ** والسّعر اتْخليهْ الَ فيهْ

واتخلِّ لمْرْ إلَ يكبرْ ** وفوتْ الِّ مُداركْ فيهْ

... إلخ

 

ربط الشِّيخ أحمد بن أبنو صلات وثيقة مع كثير من أعيان عصره في جوار عشيرته القريب والبعيد، حافظ بها على مصالح قومه وضمِن بها علاقات طيبة واحتراما متبادلا مع الجميع، ومن ذلك ما خلده هذا النص الأدبي الرفيع الذي يخاطب فيه "امّيْ" الأمير أحمد الديد أمير اترارزه، وقد وفد عليه في شفاعة لصالح أحد المتضررين من عملية نهب:

 

يلِّ من عند الراصْ اگبيل ** گمت ارْجيل ولانك بخيل

ياحمد للِّديدْ ألا لكْ لِيلْ ** حدْ احكيمك فالنّاسْ ادْراسْ

عند الناس، احكيمكْ قليلْ ** ما تحكم شِ فحكيمُ باس:

تحكم گلبكْ للشرْ افْهيلْ ** الشر إلَ خافو لَنفاسْ،

تحكم گلبكْ فُجُوهْ الخيلْ ** واصگاگيط وتحكم لَغراس

تحكم گلبكْ فمنين اتشيلْ ** تحكم گلبكْ فاعگاب الناس...

 

إلى أن يقول:

 

وانت يازْعيم اعرب لكرب ** واعرب تنْجْمار واعرب

توجنين وتورين أغب ** وريجي واعرب ترتلاس

والمگف والخط ولگصب ** واعرب شارْ وشوم ولمغاس

ودرگ وتنبار وامصب ** الواد ودرگل والدواس

يحمّال الشّدّ فالحربْ ** يالسّاسْ العيّاشْ اللبّاس

يلِّ بَنَفّارْ أمْنْ الْغرب ** بارد بيك إيلَ تِلمّاس

مرْتَعْ بلداتك والمشرب ** سكّن ناسْ افّصْل اهسهاس

غزيانك، مسّاوِ لقرب ** لَبْعَدْ فيه، إلَ بلدتْ فاس

واغليظ ألا تگبل تنطب ** لرْجِلْ فيهَ للعرضْ ادْناس

وارْجيلْ، امْنينْ الْتتغيّبْ ** يدخلْ فلْش الخلق الوسواسْ

... إلى آخرها.

 

بعد عمر حافل بالعطاء والتضحيات والسعي في مصالح المسلمين وخدمتهم وبذل النصح لهم بالفعل والقول الذي يصدقه الفعل، غادر "امّيْ" دار الفناء عام 1346 هـ تاركا خلفه ذكرا جميلا وفعلا حميدا، ودفن في مقبرة "انواتيل" الشهيرة الواقعة على بعد 15 كلم تقريبا إلى الشرق من قرية علب آدرس.

 تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته وجزاه خير الجزاء، وبارك في آل بيته وجعلهم خير خلف لخبر سلف. 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

جمعة, 29/03/2024 - 22:21