أعلام ظلمهم المؤرخون.. الشيخ محمد أحمد بن الرباني (الحلقة 12)

الشيخ محمد أحمد بن الرباني (ت. 1353 هـ):

هو الشيخ محمد أحمد الملقب امّدْ بن الشيخ محمد عبد الرحمن (الشيخ محمد) بن محمود بن الرباني الحِلِّيُّ التندغي ، وقد عرَّف هو بنفسه وعشيرته ومذهبه في موسوعته الفقهية (خلاصة التدريس) فقال:

يقول من سماته محمد -- أحمد ربي الله جلَّ أحمدُ

الأشعريُّ المالكي معتقدا -- ومذهبا التندغي محتدا... 

وأمه هي بنت عم أبيه خديجة بنت محمذن فال بن حيْب َ الله بن محم الحلية التندغية، اشتهرت بلقب "امَّا".  

ولد الشيخ محمد أحمد سنة 1266هـ في النواحي الشرقية من مقاطعة أبي تلميت، حيث أرضه وعشيرته اللذان كان لهما نصيب الأسد من شعره نسيبا وغزلا وفخرا. 

شبَّ الفتى وتربَّى في محيط علمي واجتماعي، ضمَّ فيه إلى جانب شرف النسب وعزة الحسب، جمالَ العلم والأدب وكمال الخَلق والخُلق...

حفلت حياة الشيخ الدراسية والعلمية بمحطات بارزة ومميزة، بدءًا بفترة الطلب في مراحلها المختلفة، ومرورًا بتصدُّره للتدريس في حياة والده، وانتهاءً بخلافةِ والدِه، وقيامِه بالدور العلمي والاجتماعي المحوري الذي كان يقوم به تدريسا وإفتاء وتربية وتصدرا في أمور قومه الداخلية والخارجية، ذودا عنهم، ومنافحة عن حماهم، وحفاظا على مصالحهم دون جور أو إضرار بأحد...

لا شك أن المحيط العلمي الخاص الذي ولد فيه الشيخ ونشأ، محيط علمي معروف ومشهور، فقد عرف -على الأقل- "آباؤه الثلاثة وإخوته بالعلم الكثير، وخاصة أبوه، فقد كان من أكبر علماء قطره وأشهرهم، عرف بسعة الاطلاع، وكان لذلك أثره البالغ في تكوين ولده العلمي..."... توطئة استهلَّ الإمام محمد محمود بن أحمد يوره بن الرباني مقدمته في تحقيق ديوان جده الشيخ محمد أحمد.

لقد بدأ الشيخ مسيرته العلمية بقراءة القرآن – شأن أمثاله- يضيف حفيده الإمام محمد محمود بن أحمد يوره: "ويعتقد أنه قرأ القرآن في سن مبكرة على جدته أم أبيه خير النساء بنت ألمين عم بن الفاللي بن الكوري بن سيد الفاللي الديمانية، قبل أن يجلس إلى والده الذي كان أحد الأعلام البارزين في عصره، ويروى أنه لما شبَّ همَّ بالرحيل للتنقل بين المحاظر سعيا إلى زيادة وتوسيع رصيده العلمي جَرْيًا على سنة أقرانه في ذلك العصر، لكن والده منعه من ذلك، ووعده بالتفوق على الجميع إذا بقي معه، وفعلا فقد وفى بعهده له، فلزمه لزوم الظِّلِّ، وظَلَّ يعبُّ من ينابيع علومه المتفجرة حتى أصبح من الأعلام الأفذاذ المشار إليهم بالبنان، ولو لا أن والده الشيخ محمد كان موسوعة نادرة عزّ نظيرها لما استطاع أن يعوضه عن كل تلك المحاظر المتخصصة العديدة التي دأب طلاب العلوم عادة على التنقل بينها".

ليس غريبا أن يتصدر الشيخ للتدريس والفتيا في حياة والده الذي كان قد كَرَّسَ جهده ووقته لتعليمه وتربيته وتزكيته، فكان خير ساعد ومساعد له في نشر العلم حيثما حل وارتحل، من خلال محظرته التي كانت قِبلة للطلاب من مختلف القبائل والجهات.

كانت محظرة الشيخ مدرسة شاملة تُدرس مختلف الفنون المتداولة في محاظر تلك الفترة، مع اهتمام كبير بالقرآن وعلومه، وخاصة التفسير وعلوم الآلة، إضافة إلى الحرص على تأصيل بعض المسائل الفقهية، وذكر المذاهب في بعض الفروع، وبيان ثمرة الخلاف بينها.

لقد حرص الشيخ على ألا يؤثّر رحيل والده على مواصلة المحظرة مسيرتها العلمية، فإذْنُ الوالدِ له بالتدريس في حياته إلى جانبه، وتزكيتُه له بقوله: "إن ابني فاق العلماء بحفظ المتون" كلها أمور حفزت الابن علي ألا يفرط فيما وصلت إليه المحظرة في عهد والده، فظل حريصا على استمراريتها أينما سارت به المطي وحيثما استقر به المقام، فلا ينزل منزلا إلا ونَصَبَ طلابه "المؤبَّدون" أخْبيتَهم وأقاموا أعْرشتَهم إلى جانب خيمته.  

وبعد وفاة الشيخ محمد وعودة الشيخ محمد احمد إلى مناطق قومه شرقي أبي تلميت، وحتى أثناء إقامته في منطقة لبراكنة نشطت المحظرة من جديد وأصبحت كعبة القصاد من طلاب العلم من كل حدب وصوب وأقبل عليها المئات من مختلف الجهات والقبائل فخرجت أفواجا من الأعلام البارزين الذين عادوا إلى جهاتهم وقبائلهم علماءَ مدرسين وقضاةً ومفتين. 

من أبرز من أخذ العلم عن الشيخ إخوته الصغار:

- محمد المصطفى الملقب "توَّا" (ت. 1387هـ) 

- عبد القادر، الملقب القطب أو "دادي" (ت. 1372هـ) 

- قاضي الداخلة الشيخ عبد العزيز (ت. 1377هـ) 

وأبناؤه الكبار:

- سيد قومه محمد محمود الملقب امّود (ت. 1362هـ) 

- محمد عبد الودود، الملقب بيدّه، (ت. 1401هـ)

- أحمد يوره، (ت. 1366هـ)

ومن قومه:

- محمد المختار بن عبد الله بن الرباني بن أحمد (ت. 1928 م)

- الشيخ سيد المختار بن عبد الجليل (ت. 1366 هـ)

- الشيخ محمد السالم بن الشيخ محمد عبد الرحمن (ت. 1369 هـ)

- القارئ أحمد محمود بن معاوية (ت. 1360 هـ)

- الشاعر المصطفى بن حبيب (ت. 1363 هـ)

- القاضي محمد يحي بن محمد الدنبجة (ت. 1399هـ)

- محمد عبد الرحمن بن عبد القادر الملقب (حان) (ت. 1983 م)

- امَّيْن بن سيدي بن السالك (ت. 1983 م)

- محمد عبد الرحمن بن أحمد الملقب (تندغ) (ت.1984 م)

- محمدو السالم الملقب بدّو بن محمد الشيخ (ت. 1989 م)

- الشيخ جار الله بن اخليفه (ت. 2006 م)

- الأديب أحمدو بن الشيخ محمد أحمد (النيني)، (ت. 2006م)

- القارئ المصطفى (طه) بن عمر (ت. 2010 م)

وممن أخذ عنه من خارج وسطه الاجتماعي الضيق:

- القارئ عبد الودود بن حميه الأبييري (ت. 1977م)

- العالم أحمد بن الداه الانتشائي (ت. 1989م)

- الشيخ محمدو بن البني الأبييري

- الشيخ محمد بن محمد العيدي الأبييري

- المصطفى بن الدولة الأبييري

- القاضي محمد الأمين ين الطالب اعمر التاكاطي

- المختار بن يحظيه الديماني

- المختار السالم بن أغشممت المجلسي

- الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد الله الإجيجبي

- محمد بن المصطفى البارتيلي

- سيد أحمد بن إبراهيم النعمه الأحمدي

- الكوري بن مختار السالم الإميجني

- سيدي محمد بن ودو النحريري

- عبد الله بن القاظي الحجاجي

- عبد الله بن عبد الرحمن الحجاجي

- محمد بن ودو اللولي الغلاوي

- محمد بن الصابر الكمليلي

- محمد بن ابّوه اليعقوبي... إلخ

هَمَّ الفرنسيون ذات مرة بتنصيب الشيخ قاضيا عاما في مدينة بوكي استجابة لطلب بعض الساكنة، وأصدروا بذلك مرسوما وأرسلوا للشيخ سجل القضاء " الكناش" لمباشرة عمله، لكن الخبر نزل كالصاعقة على الشيخ المسكون بكراهية وبغض الغزاة، فقرر الاستعانة بصديقه وشيخه: الشيخ سيديّ باب بن الشيخ سيديّ (ت. 1342 هـ ) وأرسل إليه شاكيا ومستنجدا ومادحا برسالة جاء في نصها :

مُوافيك للإرشاد أصلحتَ أمرَهُ 

                  ومن يعشُ عن إرشادِ أمركَ أمرَهُ

شكوتكَ مَكْرًا من عدو مخادعٍ 

               قد اعمل بي عند الفَرانِسِ مكــــرَهُ

فيُظهر لي نصحًا ولست بآمـنٍ 

              إذا استحكمت فينا القضيةُ غـــدرَهُ

جعلتكَ من دون المكاره جُنّــةً 

                فكن منصفي مما أخافُ وأكـــــرَهُ

لِتَكسبَ من تخليصنا أجر محسنٍ

                    فلا ضيّع الله المهيمن أجـــــره

أيا مبتغي مرآى إمامٍ منوطـــة 

                 أمور جميع المسلمـين بــــــــه رَهُ

فحيا محياه الإله وحاطـَــــــــهُ 

                 سلامٌ يوازي في الكمالات قـــدرَهُ

لم يخيب الشيخ باب رحمه الله ظن الشيخ فيه، فأوعز إلى الفرنسيين بإعفائه، وبعد أن أمن الشيخ من تقلد المهمة غير المرغوب فيها، أحب أن يستبقي سجل القضاء للانتفاع بورقه الفاخر، فكتب للشيخ باب مرة أخرى: 

حَبِيكُ كاغدٍ لديّ للفــــــرا 

                    نسة عام "شَبْلَسٍ" على الورى

راموا به اسْتقضاءنا وما اتّفق 

                          ذاك لنا بفضل فالق الفلـق

عناية منكم بنا لا زلتــــــــــمُ 

                      ملاذ كل ملتـــج إليكــــــــــم

فهل به أفعل ماليَ بـــــــــــدا 

                        ولن ينلني منه ضُر أبــــــدا

أو لا ، فأوضحوا لنا الجوابا 

                        بما يكون عندكم صــــــوابا .

فكان للشيخ ما أراد. 

اشتهر الشيخ محمد أحمد في الجانب الآخر من حياته العلمية بنبوغ أدبي وخاصة شعري نادر، عبّر عنه الدكتور النائب محمدٌن بن محمد الحافظ بن أحمدو فال في دراستَه لشعره بقوله: "يمثل الشيخ محمد أحمد بما تميز به من علم متنوع الجوانب وما برع فيه من حسن إدارة للعلاقات بين قبيلته ومختلف القبائل، وبما عرف به من تفوق في المجال الشعري أهم رجالات الرعيل الثاني، حيث ولد 

وسنكتفي بذكر نماذج سريعة من شعر الشيخ في هذه العجالة، يقول في الثناءَ على الله:

ثِقْ بالإله وحقِّقْ ذاك إنّ به 

               معنًى يلوح لعين الحاذق النبه

ولتطمئنَّ به في كلِّ نائبة 

                    فلا قرارَ لمن لم يطمئنَّ به 

 

ويقول في التوسل والدعاء:

بالعلي الكبير جبر كسيري 

                       وشفا علتي وفك أسيري

فلذا صار مفزعي والتجائي 

                       وشفا علتي وفك أسيري

إن لي مالكا عزيزا قديرا 

                       فتحصنت بالعزيز القدير

والبشير النذير أنجح جاه 

                        فتوسلت بالبشير النذير

سرت ربي إليك أبغي خلاصا 

                    من ذنوبي وذاك خير مسير

كن نصيري على هواي ونفسي

                        وعدوي فأنت خير نصير

كن مجيري مما أخاف فإني 

                      مستجير وأنت خير مجير

كن مجيري من السعير فإني 

                   عذت بالله من عذاب السعير

وفقنِّي لما تحب ويسر 

                    من أموري يا رب كل عسير

أنت أنت الغني حقا وإني 

                       لجَداكَ العميمِ عين الفقير... 

إلى آخرها.

 

ويقول في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وذكر شمائله:

عُجْ بي لطيبة واستنشقْ بأعراف 

              طيبَ الحمى واعتلقْ منه بأطراف

وردِّدِ السير في أرض الحجاز على 

                     قود خفيفات أنساء وأخفاف

وأَلْقِ عنك عصى التسيار ثَم وجُدْ 

                      من المآقي بتَوْكاف وتَذراف

متى شهدت بهاء المستجن بها 

                     ألفيت ثمر المنى دان لقطاف 

حيث الكواكب والبدر المنير وما 

                 تحوي ذكاء من إشراق وإشراف

عهد به درة الأصداف قد برزت 

                  إلى الوجود فأنست در أصداف

للمصطفى فيه مُصطاف ومرتبع 

                  يا ليت مرتبعي فيه ومصطافي

من بالنبوءة والإرسال أتحفه 

                    إلهه جل مجدا خير إتحافي ... 

إلى آخرها.

 

ويقول في الغزل والنسيب: 

لقد غنى الهزار بحسن صوت 

                          فهاج بلابلي صوت الهزار

وذكرني بذاك مزار سلمى 

                            على بعد التذكر والمزار

فبت على اليمين أميل شوقا 

                            وآونة أميل على اليسار. 

 

ويقول أيضا:

وادي الإله لديه دور قباب 

                   عهدي بها في الدهر غير يباب 

ولدى الذَّلول معاهد أوْدى بها

                     وكْف الذِّهاب فآذنت بذَهاب

ومن المقيم لذي النمال عهوده 

                         لم تنتطق لمحاور بجواب

دُورٌ بدأت بها الشباب وليتني 

                      أفنيت فيها أخريات شبابي

ولقد قضى جمرُ ادِّكار رسومها  

                       بتحرُّقي إذ هو نجل شهاب

عهدي بقاطن حيه قبل النوى 

                    حاوي العلا متواصل الأطناب

ما بين سام في العشير مرزإ 

                        ومهى سوامٍ للعقول سَواب. 

 

يقول في رثاء زوجه فاطمة بنت محمد المختار بن سيد أحمد بن أشفغ الدنبجه (ت. 1314هـ): 

تعودت يا دنيا عقيب وصالك 

                 صدودا وهجرا مؤذنا بانفصالك 

فكم غافل سالمته فأصابه 

                    على غرة بالسلم رشق نبالك...

إلى أن يقول:

أقامت لدينا ست عشرة حقبة 

                      ولكنما الدنيا حبال المهالك

أفاطمُ لا أنسى مقامك عندنا 

                 سرورا ولا أنسى زمان وصالك

تذكرنيكِ الشمس عند طلوعها 

                 وإن جلل الأفق الدجى فكذلك

تساميتِ في العلياء حتى كأنما 

                  جباه نساء الحي تحت نعالك

وشُمُّ شرورى دون قدرك رتبة 

                  وعدّ حصاها دون عد خصالك

فجالت عذارى الحي معك وإنما 

              مجال عذارى الحي دون مجالك

مقالك في الأنداء غير مفند 

          وفعلك أجدى في الورى من مقالك

شمالك لا تدري نوال يمينها 

                    ويمناك لا تدري نوال شمالك

أحقا فتاة العصر أن لست ناظرا 

                جبينك أو أحظى بطيب خلالك

مضيتِ وقد خلفت من لو سألته 

                 قرين الثرى لبى مجيب سؤالك

عهد تك لي كهفا وشمسا مضيئة 

                   ولكن قضى رب الورى بزوالك

فصبرا وتسليما لأمر قضى به 

                    وإن كنت مغموم الفؤاد بذلك

أفاطم ما هذا التصامم والجفا 

                 فما هكذا عهدي بحسن امتثالك

ألا خبريني كيف حالك فاطم 

                  فلا كان بعدي حالكا ليل حالك...

إلى آخر القصيدة.

 

وإلى جانب الشعر الفصيح، كان الشيخ ماهرا في قرض الشعر الحساني، ولولا خشية الإطالة، والخوفُ من أن يستدرجنا حسنُ أدب الشيخ إلى الاستطرادِ والخروجِ عن منهج الترجمة، لزدنا نماذج أخرى من الشعر الفصيح، وأتبعناها بأمثلة من أدبه الحساني.

تتحدث المعلومات الشفهية عن مؤلفات كثيرة تركها الشيخ وراءه، ضاع بعضها وبقي بعضها،

وقد ذكر المؤرخ المختار بن حامد (ت. 1993م) بعضا منها في موسوعته، نذكر منها:

1. نظم في الناسخ والمنسوخ في القرآن 

2. أنظام متفرقة في علوم القرآن 

3. نصرة من يضام ممن تصدى لنقض الأحكام (توجد منه نسخة في المعهد الموريتاني للبحث العلمي)

4. نظم في العقائد 

5. نظم في مصطلح الحديث

6. خلاصة التدريس للمبتدئ والعالم النقريس. (وهو نظم في الفقه يعد بالآلاف لكن لا يوجد منه إلا الجزء المتعلق بالطهارة ويبلغ عدد أبياته "1340" كما بيَّن ذلك في نهايته، حيث يقول:

نظم الطهارة انتهى إلى هنا 

                          والحمـــد مستحقـــه إلهنا 

أبياته كالشمس حسنا وعدد 

                        والله واهب لمن شاء المدد

7. أنظام متفرقة في السيرة 

8. نظم في طبقات النحاة

9. نظم في الجيم والجيم

10. رسالة شبه مقامة موجهة إلى قومه

11. ديوان شعر محقق ومطبوع.

12. فتاوى وأقضية متفرقة، هاكم أمثلة منها:

I. فتوى بعدم شرعية بعض صور الاسترقاق السائدة في عصره

II. كتب الإمام محمد محمود بن أحمد يوره الرباني قال: حدثني الشيخ جار الله اخليفه، أنه حضر مجلس الشيخ محمد أحمد وقد قدِم عليه رجل من "شكار" وأخبره أن العلماء أبتُّوا عليه زوجته لكونه طلقها ثلاثا، فقال نعم، ثم قال: إلا أن تكون ضرورة شديدة فتقلد ما قاله أبو الربيع المروغي وهو مالكي شهير حيث أحال طلاق أم العيال.

III. من خط الإمام محمد محمود بن أحمد يوره أيضا روايةً عن الأديبة عزة بنت الشيخ محمد احمد ما نصه: "وقد قضى بين النونَّة بنت أيجَّه مع زوجها الشيخ بن الماصة التناكيان في نازلة فعارضه، بعض الفقهاء في مجلس الشيخ محمد محفوظ بن الشيخ القاضي، وبعد معركة كَتبية شرسة ظهر الحق في جانب الشيخ وأذعن له مخالفوه، فقال الشيخ محمد محفوظ منوها بذلك: "إن من الناس من لا يعلم إلا طريقا واحدا، ومنهم من يعلم الطرق كلها". 

وكان الزوج في هذه الناولة قد حلف أن حيوان المرأة لا يبرك في مراحه، فأفتاه بعض الفقهاء بطلاقها إذا برك حيوان الزوجة في مراحه، واستفتى الشيخ، فأفتاه بعدم طلاقها، فعُمل بمقتضى فتواه. 

IV. وحدثت زينب بنت تندغ (سِبط الشيخ) أن رجلا اسمه المامي (...)، تزوج امرأة اسمها الزهرة (...)، ثم إن بعض أهلها أراد فسخ عقد النكاح، ورفع الأمر إلى الشيخ ليكون هو المباشر للفسخ، فقال لهم: إذا أتيتم بشهود يشهدون أنه مقطوع النسب، أو شديد الفسق، أفتيتكم بالفسخ، وإلا فلا، فمجرد كونه من (...) وأنتم من (...) ليس سببا شرعيا لفسخ النكاح، فلم يعقب أحد بعده على حكمه.

سنحت الفرصة للشيخ أن يلتقي بالكثير من العلماء والفقهاء والأدباء الذين عاصروه بفضل رحلاته وتنقلاته الدؤوبة، مما جعله ينسج شبكة من العلاقات القوية مع الكثير من هؤلاء ويدخل في مراسلات ومساجلات ومناظرات مع بعضهم، من أمثال:  

- الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديّ (ت. 1286هـ) 

- باب بن الشيخ سيديّ وكبار أبنائه، وكانت تربطه بآل الشيخ سيديّ روابط روحية راسخة.

- العلامة القاضي محمذن فال بن أحمد فال (ت. 1245هـ)، الذي يقول الشيخ فيه:

حلَّى به الله إذ ولاه خطته 

               من خرَّد العدل جيدا كان مِعطالا

ناهيك من صحة الأنقال أن قالا 

               لخَّصت بين صحاح الكتب أنقالا

فما ارتشى قط في حكم ولا مالا 

                     ولا رزا مسلما عرضا ولا مالا

قرم تَجَمًعَ فيه كل مكرمة 

                    علما وحلما وإغضاء وإفضالا

ودفعَ ضر وإيصالا لمنفعة 

                     عمت فيا لهما حذفا وإيصالا

حتى على كل ذي سن علا رتبا 

                      شيبا ومردا ويفعانا وأطفالا

مازال يقفو أباه في مناقبه 

               والشبل يخلف حين البأس رئبالا

كلاهما حاز من كل المحامد ما 

                 يناسب الفضل تفصيلا وإجمالا

فذاك أحمد فالا في مناقبه 

                     وذاك في شأنه محمذن فالا

فجاء كلٍّ من الفالَين متصفا 

                          به مسماه أفعالا وأقوالا...

إلى آخر القصيدة .

- الشيخ أحمدو بن الشيخ محمدو بن حبيب الرحمن (ت. 1375هـ)، الذي يقول في الشيخ:

المجد والآداب والسؤدد 

                             والكرم الطارف والمتلد

وجمع شتى العلم عن صحة 

                     والسعي في الأمر الذي يحمد

والاِحْتِما دأبا لدين الهدى 

                         أحرزه الشيخ محمد احمد

ويقول فيه الشيخ:

أأحمدُّ أنت البدر يا أحمد 

                         من في دجنات العمى يصمد

يا مرشد الغاوي إذا لم يكن 

                              منا إلى نهج الهدى مرشد

يا مفردا في المجد يا جامعا 

                    شتى العلا يا جمع يا مفرد... إلخ

- ومنهم العالم اللغوي المقرئ زين بن اجَّمد اليدالي (ت. 1339هـ)، الذي يقول فيه الشيخ:

على سريّ كريم الأصل مبتدر

                      للعُرف أزكى سلام طيب عطِر

زين الخِلال نبيه القدر ليس له 

                       ندٌّ ولم يُبق من فخر لمفتخر 

سائلْ به مشكلات المتن إذ درست 

              وما على المتن من شرح ومن طرر... 

ومنهم العالم الأديب عبد الرحمن ولد محمدي البوحبيني (ت. 1349هـ) وهو الذي طلب من الشيخ معارضة قصيدة امرئ القيس:

جزعت ولم أجزع من البين مجزعا 

                         وعزيت قلبا بالكواعب مولعا

فقال الشيخ قصيدته الوصفية المشهورة التي مطلعها:

لدى جانب الصطلين أصبح مولعا 

                     بمربع ذات النمل إذ كان مربعا

- ومنهم الشيخ سيد المختار بن عبد الجليل (ت. 1366هـ) الذي يقول الشيخ في رسالة إليه:

على السيد المختار أسنى تحية 

                تزيد على طعم المدام من الدبس

ولي سما عن أن يحاول شأوه 

                  سمو السما عن أن تناول باللمس

فتى لم أزل أصفي حياتي دائما 

                        له الود إلا أن يغيبني رمسي

ولو تفتدى نفس بنفس من الردى 

                   بما قدر المولى فدته إذن نفسي

فلا زال يمسي في الكلاءة دائما  

                ويصبح في حفظ الإله كما يمسي 

- ومنهم الشيخ محمد السالم بن الشيخ محمد عبد الرحمن (ت. 1369هـ)، الذي يقول الشيخ في الترحيب به:

أفق الوجود تجلى ضوء كوكبه 

                   بالعارف النبه بن العارف النبه

أهلا وسهلا بوجه الغوث إن به 

                    معنى يلوح لغير الناقد السبه

أهلا وسهلا به فالكون مبتهج 

                    حمدا وشكرا لرب العالمين به

تبدو بطلعته الأنوار ساطعة 

                     على الجبين يراها كل منتبه

محمد السالم العرض النقي وما 

                  بالباطل الحق إذ يعلو بمشتبه...

إلى آخر القصيدة. 

- ومنهم الشاعر الكبير موناك بن المصطفى (ت. 1359هـ) 

- ومنهم الأديب الكبير الشيخ كلاه بن صلاحي (ت. 1346هـ)

- ومنهم الأمير سيد أحمد بن بوبكر (ت. 1949 م)، رئيس أولاد أحمد:

يقول الشيخ في رسالة إليه:

سلام على مغنى شكار وأهله 

                         وما في بلاد الله مثل شكار

ففيه الأمير العدل لا زال كعبه 

                        يفوق الورى في عِزة وفَخار

جرى سيدي في مسلك العدل أحمد 

                وليس له في المعلوات مجار... إلخ

- ومنهم الأمير أحمد بن امحمد (ت. 1891 م) ، أمير آدرار، الذي يقول فيه الشيخ:

...

من شاد أركان هذا العدل محتسبا 

                              وقد تهدّم أركانا فأركانا

هو الذي ملأ الأقطار عافية 

           من بعد ما ملئت ظلما وعدوانا... إلخ

 

كما كانت للشيخ صلات متينة وروابط بعلماء وأمراء وشيوخ آخرين إضافة إلى من ذكرنا، لا يتسع المقام لذكرهم.

توفي الشيخ ضحوة يوم الخميس 9 خلت من جمادى الآخرة سنة 1353 هـ، ودفن إلى جانب أجداده وأعمامه في مقبرة "انواتيل" التاريخية الشهيرة. يقول ابنه محمد عبد الودود (بيدّه) موثقا للحدث الجلل:

الشيخ أمسى ثاويا في المرمس -- ضحوة مؤنس بعام "شنجس"

مؤنس التاسع من جمادى – الأخرى وعمره الورى "افادا"

و"مؤنس" هو يوم الخميس، و" افادا" تعني أنه عاش 87 سنة ، وعام "شنجس" تعني سنة 1353 هـ.

 

تغمد الله الشيخ برحمته الواسعة واسكنه الفردوس الأعلى من جنته وبارك في آل بيته وجميع عترته.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

خميس, 04/04/2024 - 00:15