تحليل/ الفعل السياسي الراشد لتسويق إنجازات الغزواني.. السبيل الوحيد لحسم الشوط الأول

الوئام الوطني (تحليل ) يبدو أن رئاسيات 2024 ليست بالبساطة التي يعتقدها البعض، فقد تحمل مفاجآت غير متوقعة، وهذا ما على فريق الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بوصفه واحد من أقوى المرشحين للفوز بالانتخابات كتقليد عتيد لأي رئيس جمهورية افريقي يخوض انتخابات بعد مأمورية ناجحة، ان يقرأه بشكل جيد وأن يتعامل معه.

لقد جرت مياه كثيرة تحت جسر البناء والتقدم الذي عبر عنه برنامج الرئيس ولد الشيخ الغزواني غداة وصوله للسلطة، وبالتالي فإن الوثوقية الحالية قد تأتي بنتائج عكسية خصوصا في ظل وجود ثلاث مرشحين منافسين بقوة على رأسهم حمادي ولد سيد المختار الذي يعتبر ترشيحه تجربة جديدة يخوضها الإخوان المسلمون في موريتانيا وحزب تواصل تحديدا الذي يعتبر أقوى حزب معارض في البلاد، ورئيس الحركة الانعتاقية بيرام ولد الداه الذي يتوق للوصول الى القصر بعد تجربتين مهمتين وضعتاه كمرشح قوي للوصول الى السلطة، والمحامي الشاب العيد ولد محمدن، الحقوقي الذي وصل الى قبة البرلمان كمفاجأة.

ودون التقليل من قيمة أوتوما سوماري الذي يعتقد أنصاره انه سيأخذ من شعبية النظام ويستقطب الباحثين عن التغيير الهادئ، وبا ممادو بوكاري الذي يخطط لسحب ناخبين من كل مرشح على حدة، ومحمد الأمين الوافي مفتش الضرائب الذي يعيد الى الأذهان مفتش ضرائب آخر وصل للسلطة في السنغال.

قد يكون رئيس الجمهورية بالفعل قد رسم طريقا للبقاء في السلطة بحكم الإنجاز، وإنجازات الرئيس خلال الخمس سنوات الماضية ملموسة في المجال السياسي (التهدئة) والمجال الاقتصادي (تسيير ملف الاكتشافات الغازية والنجاح في ملف الطاقة النظيفة والتعامل مع الممولين) والجانب الاجتماعي (وصول مجتمع التآزر الى مليون ونصف المليون مواطن مستفيد) هذا مع سياسة خارجية ناجعة وبسط للأمن في محيط متقلب.

لكن مع ذلك تبقى حظوظ الرئيس على المحك، فالرجل الذي عبر الى الرئاسة بنسبة نجاح 52% في ظرف مغاير تماما استفاد خلاله من دعم الرئيس السابق ومن سيرة نجاح قوية في المجال العسكري ونظر اليه الجمهور حينها كمخلص، قد يجد نفسه امام عقبات إحساس المواطن المباشر بارتفاع الأسعار وخصوصا أسعار المواد الغذائية، ونظرته لملف الفساد الذي تعامل معه الرئيس بديبلوماسية قد لا ترضي طموحات الشارع المتحمس لقمع الفساد وترويض المفسدين، فضلا عن الشرخ الاجتماعي الذي سببه نزيف هجرة الشباب وهم الأكثر اليوم تسجيلا على اللائحة الانتخابية.

جائعون للفوز..

بيرام الذي اخرج نفسه من التصريحات السابقة الموالية للرئيس بتصريحات جديدة قوية وطموحة، سيخلق حالة جديدة يجب دراستها وقد تتحول لكرة ثلج اذا لم تذبها سخونة الصراع، وقد يستعيد ثقة شريحة واسعة يراه بعضها مخلصا وناطقا باسم العبيد والعبيد السابقين، وهذا يجعله منافسا قويا اذا لم تلاحقه الاتهامات التقليدية التي تنصبه زعيم الراديكالية والشعبوية.

بيرام قد يكون رقما صعبا في النزال الإنتخابي، لكن الشرخ الاجتماعي الذي سببه خطابه في المجتمع سيظل العقبة الوحيدة التي تمنعه من تصدر المشهد.

سيكون حزب تواصل على موعد مع اختبار طموحه في النجاح، فبعد تراجع حركة الإخوان المسلمين في بلدان العالم العربي، فإن الاخوان الذين عانوا من هجرة قوية نحو النظام خلال الخمس سنوات الماتضية يرغبون اليوم بشدة في تحقيق نتائج جيدة تعيد للحزب بريقه وللآيديولوجيا هيبتها، وبالتالي فانهم جائعون لتحقيق انتصارات على المسرح السياسي الوطني، وهذا سيجعلهم اكثر طموحا وديناميكية ولم لا (الوصول الى السلطة في موريتانيا بانتخابات بعد ان حاولها نظراؤهم بالثورات في تونس ومصر وبلدان أخرى في العالم العربي).

انها فرصة لاختبار التنظيم والقاعدة الجماهيرية سيعبر عنها أصحابها بالتصويت لمرشح حزب تواصل حمادي ولد سيد المختار في رئاسيات 2024.

بالنسبة للعيد ولد محمدن خريج مدرسة الصراحة لدى الزعيم الحقوقي بوبكر ولد مسعود والحنكة السياسية لدى الزعيم التاريخي للمعارضة احمد ولد داداه، يحسب له حسابه.

المحامي الحقوقي الذي ترافع في ملفات العبودية وكرس نفسه للدفاع عن حقوق الانسان، والذي يحظى بدعم الكادحين ومجموعة أحزاب وحركات شبابية ابرزها حركة "نستطيع" تطمح لتحقيق نتائج قوية في الانتخابات، فانه يبدو مرشح الشباب بعد ان ترجل صديقه نور الدين عن حصان الترشح، وبات هو وحده رمزا للشباب ومستفيدا من صدى الانتخابات السنغالية، وبالتالي فإنه الرجل الذي قد يحقق نتائج غير متوقعة خصوصا انه الوحيد من بين المرشحين الذي يمتلك معايير "المستقبل الآمن" شاب، صدح بالقضايا الوطنية من قبة البرلمان، محام متمرس، رئيس مبادرة ميثاق لحراطين التي جمعت شتات الباحثين عن حقوق عرق كامل، ويمتلك طرحا وسطيا فهو لا يفرط في القضايا العادلة ولكنه لا يخوض في أعراض الأعراق ولا يتخبط في تاريخ متناقض.

ورغم ان العيد شكل فريقه على عجل، وخسر تحالفه السابق الذي تفرق دمه بين المرشحين، الا انه كأمثاله اليوم في الدول الافريقية الطامحة للتغيير، قد يفاجئ الجميع.

يمكن التفكير باهتمام في موضوع اوتوما سوماري، انه مرشح واعد، طبيب الفقراء ورجل السياسة الصريح والقوي، الذي أعطى وقته لمهنته كطبيب شريف، يمكن ان يخلق حالة فريدة من نوعها في الانتخابات، فطالما أراد الشارع الموريتاني معاقبة السياسيين موالاة ومعارضة، ولكنه لم يهتد بعد إلى الطريقة، التي يمكن ان تكون ببساطة، التصويت لطبيب شريف حسن الخلق ومدرك لقضايا وطنه.

فكرة الطبيب الذي يداوي جراح الوطن ستكون حاضرة عندما يتعلق الأمر برئاسيات 2024 والتي قد يكون فيها سوماري الرجل الذي تقول الرواية الشعبية ان كل صراع يصب في مصلحته، فكل معايير رجل المرحلة تتوفر فيه، باستثناء انه لا يقود شبكة بقدرما يقود تحالفا انتخابيا.

بوكاري والوافي لا يبدوان رجلي مواجهة متقدمة على الأقل في هذا النزال المصيري في تاريخ البلد، لكنهما قد يصبحان مصدر حسم فعال اذا توجهت الإنتخابات لشوط ثان يدفع الناخبين ليقظة حقيقية ويحيي الآمال في ان الشارع قد يتحول من غنيمة الى طرف في المعادلة السياسية.

الأمر أكثر تعقيدا

ما لم يصاحب الإنجاز الذي راكمه الرئيس غزواني خلال مسيرته العسكرية وفترته السياسية كسيد للقصر الرمادي، فعل واستثمار سياسي راشد، فلا يبدو ان الانتخابات محسومة، وقد يؤدي صعود منافسي الرئيس الى شوط ثان سيكون قاسيا على رجالات النظام الحاكم، لكن الأمور في موريتانيا تتجه عادة الى انتخاب أي رئيس يخوض الانتخابات وهو في السلطة بنتيجة مريحة خصوصا أن ماكينة صناعة السياسة في موريتانيا لا تحب المفاجآت، وبالتالي فإن الأمر يبدو أكثر تعقيدا من مجرد انتخابات محسومة.

 

إسماعيل ولد الرباني

المدير الناشر لوكالة الوئام الوطني للأنباء

 

 

 

اثنين, 20/05/2024 - 14:48