حدث وتعليق/ افتتاح السيدة الأولى لمعرض “ذهب موريتانيا”.. تعزيز لمسار دعم الإبداع وتمكين النساء

يشكّل افتتاح السيدة الأولى الدكتورة مريم محمد فاضل الداه لفعاليات معرض ذهب موريتانيا حدثا يتجاوز طابعه البروتوكولي نحو دلالات أعمق تتصل بمسار وطني آخذ في التشكّل، يقوم على تمكين النساء، وتعزيز الصناعات الإبداعية، وبناء قيمة مضافة محلية قادرة على منافسة المنتجات المستوردة.

فالظهور المباشر للسيدة الأولى في فضاء اقتصادي–حرفي حسّاس، مثل صياغة الذهب، يعكس توجها واضحا نحو رعاية المبادرة، وإعطاء الثقة للأيدي الموريتانية، خاصة النسائية منها، كي تصبح لاعبا محوريا في القطاعات التي كانت لعقود حكرا على الاستيراد أو الشركات الأجنبية.

إن جولة السيدة الأولى داخل أجنحة المعرض، وإن بدت شكلا بروتوكوليا، إلا أنها تحمل مضمونا سياسيا وتنمويا مهما.

فاستماعها لشرح المصمّمات والحرفيين حول مراحل الإنتاج وأساليب التصميم يبعث رسالة مفادها أن الدولة باتت تعي حجم التحول الذي يشهده هذا القطاع، وأنها مستعدة لدعم انتقاله من مستوى الهواية الفردية إلى صناعة متماسكة تقوم على الابتكار، وتستند إلى مهارات وطنية.

هذا الإسناد يكتسب أهميته من كون صناعة الذهب إحدى أكثر السلع القادرة على خلق قيمة اقتصادية عالية بأدنى تكلفة، ما يجعل تطوير الصناعات المرتبطة بها إحدى بوابات تعزيز الاستقلال الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على الواردات.

ويمثل المعرض محاولة جادة لطرح سؤال جوهري: لماذا لا تكون موريتانيا منتِجة لتصاميمها وحليّها؟

لطالما كانت السوق المحلية تعتمد على التصاميم المستوردة، ما يعني خروج جزء معتبر من رأس المال إلى الخارج. واليوم، تتجه البلاد، بدعم السيدة الأولى ومبادرات مهنية ناشئة، إلى بناء “مدرسة موريتانية” في صياغة الذهب، تجمع بين الذوق المحلي والحرفة الحديثة.

هذا التوجّه يخلق فوائد مباشرة، تبدأ باستبقاء رأس المال داخل البلادبدل تسربه عبر الاستيراد، وتمر بتعزيز قدرات الحرفيين عبر تشجيع التكوين ونقل المهارات، وتنتهي بالحفاظ على المهن التقليدية ومنحها فرص التطور بدل الاندثار.

ففي بلد تتطلع نساؤه إلى أدوار اقتصادية أكبر، تأتي رعاية السيدة الأولى كإشارة قوية على أن ريادة الأعمال النسائية لم تعد هامشا تجميليا، بل رهانا تنمويا.

فالقطاع الذهبي بطبيعته قطاع سريع النمو، وفيه مساحة واسعة للابتكار، ما يجعله بيئة مثالية لدخول النساء والشباب الباحثين عن مشاريع صغيرة ذات عائد معتبر.

وتمثّل معارض كهذه منصّة للتعارف بين منتجات محلية ومستهلكين ومستثمرين محتملين، ولإدماج المشاريع الناشئة في سلسلة القيمة المحلية، التي تتوسع بشكل لافت مع تنامي الاهتمام بالمنتجات الموريتانية.

وتؤكد تصريحات القائمين على المعرض بأن رعاية السيدة الأولى تعتبر “دفعة قوية للمبادرات النسائية والصناعات الإبداعية”، وليست مجرد مجاملة، بل توصيف دقيق لواقع يتغيّر.

فالقطاع يحتاج إلى رمز وطني قادر على توجيه الأضواء نحوه، وتوفير مظلة معنوية وسياسية تعزز ثقة الفاعلين فيه، وتدفعهم للاستثمار في تحسين الجودة والتسويق والابتكار.

وإذا ما قُدّر لهذا المسار أن يستمر، فإن موريتانيا قد تكون أمام فرصة لتأسيس قطاع حِرَفي صناعي يمكنه الاندماج في الاقتصاد الوطني، وتوسيع قاعدة التشغيل، وتقديم منتج محلي ينافس في الداخل وربما في الخارج.

إن رعاية السيدة الأولى لمعرض ذهب موريتانيا ليست مجرد حدث ثقافي أو اقتصادي، بل خطوة في اتجاه إعادة تعريف دور الإبداع المحلي في التنمية، وتوسيع المشاركة النسائية في القطاعات الصاعدة، وبناء صناعة وطنية تمتلك القدرة على خلق الثروة وفرص العمل.

إنها إشارة إلى أن الذهب الموريتاني لم يعد مجرد معدن يُستخرج من باطن الأرض، بل أصبح أيضا إبداعا يُصاغ في أيدي بنات وأبناء البلاد.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء

جمعة, 12/12/2025 - 08:08