قبل أقل من شهرين من تنظيم الشوط الأول للانتخابات الرئاسية الموريتانية، لا تزال الساحة الموريتانية مشتعلة على وقع الخلافات الدائرة بين المعارضة والسلطة الحاكمة بشأن تنظيم ضمان نزاهة الانتخابات.
ولم يتوصل الطرفان إلى حلول مرضية ، بيد أن محاولات الحل الحكومية لازالت قائمة، من خلال سلسلة الحوارات المستمرة منذ عدة أسابيع مع المعارضة، لتشكيل لجنة الإشراف على الانتخابات.
ورغم الخلافات المستمرة بشأن التنظيم ، تندفع الساحة السياسية والانتخابية بسرعة كبير نحو معركة انتخابية حامية الوطيس، ينتظر أن يتنافس فيها ، صفان سياسيان يحمل أحدهما راية استمرار النظام القائم بينما يحمل الصف الآخر راية تغيير واقتلاع هذا النظام بالكامل.
استمرار النظام أم اقتلاعه؟
ويتجمع صف الاستمرار خلف الجنرال المتقاعد محمد ولد الغزواني قائد الأركان العامة على مدى السنوات العشر الماضية ووزير الدفاع الأسبق ورفيق درب الرئيس ولد العزيز في انقلابه وفي جميع تصاريف حكمه.
ويحظى ولد الغزواني بتأييد واسع فهو مدعوم من الرئيس المنصرف ومن أغلبيته، وتتهمه المعارضة باستسهال غير مبشر لاستغلال وسائل وهيبة الدولة وإدارتها، وهو ما حرص المترشح على نفيه مرات عدة ، بحسب صحيفة” القدس العربي”.
وفي المقابل، أعدت المعارضة الموريتانية خطة تستهدف إرغام المترشح ولد الغزواني المدعوم من النظام المنصرف والذي تؤكد المعطيات القائمة أنه الأوفر حظا، على التجاوز نحو الشوط الثاني ليتكتل مرشحو المعارضة من أجل “هزيمته في الشوط الثاني أو لنجاحه بنسبة ضئيلة جدا لا تعكس الفخفخة القائمة حاليا حول ترشحه” وفقا لما تقوله أوساط المعارضة.
وهكذا تعددت في هذه الانتخابات بوابات ترشح المعارضة الموريتانية، وكان أبرز المرشحين الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد ببكر الذي تقف خلفه جهات سياسية هامة يتقدمها الإسلاميون، وأسست أحزاب اتحاد قوى التقدم وتكتل القوى الديمقراطية وحزب التناوب تحالفا من أجل التغيير وقررت ترشيح محمد ولد مولود، ويرشح حزب الصواب الحقوقي بيرام ولد الداه، ورشحت الأحزاب التي يقودها سياسيو الأقليات العرقية النائب السابق كان حاميدو بابا.
ويواجه التحضير لهذه الانتخابات عقبات كبيرة أهمها عدم اتفاق الحكومة ومعارضيها على آليات تنظيم هذا الاستحقاق الكبير الذي وصفه السياسي الموريتاني المخضرم محمد يحظيه بريد الليل “بأنه ليس انتخابات عادية وإنما هو استفتاء حول مستقبل موريتانيا”.
تمثيل المعارضة
تقول المعارضة إن الانتخابات المقبلة تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط الشفافية، فيما تقول الحكومة إن تحقيق مطالب المعارضة يتطلب إجراءات طويلة، قد تدفع نحو تأجيل الانتخابات، آملة في الوصول إلى حلول وسطية ترضي جميع الأطراف.
وتطالب أحزاب المعارضة بخمسة مقاعد من اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، فيما نقلت وسائل إعلام محلية أن وزير الداخلية الموريتاني، أحمدو ولد عبد الله، سلم للمعارضة رسالة من الحكومة، قال فيها: “من أجل تفادي تأجيل الانتخابات، يجب على المعارضة الاكتفاء بثلاثة أعضاء في اللجنة”.
وحمل عضو لجنة تحالف المعارضة في موريتانيا السالك ولد سيدي محمود الحكومة مسؤولية ما وصفه بـ “استمرار التوتر القائم، وحرمان المعارضة من حقها في التمثيل في لجنة الانتخابات، وكذا حرمان البلد من انتخابات يمكن أن تكون شفافة وحرة ونزيهة إذا شارك الجميع وتعاملوا على أساس ما يتيحه القانون”.
واعتبر في تصريح صحافي “أن لجنة التحالف المعارض فوجئت بعد الاتفاق على تمثيلالمعارضة بخمسة أعضاء باستدعاء مستعجل من وزير الداخلية ليعرب لهم عن أسفه لأن هذا الاتفاق لا يمكن أن يدخل حيز التنفيذي إلا بعد أزيد من شهر”.
ورأى “أن السلطة عرضت عليهم عودة من جديد للتفاوض على أساس تغييرات من داخل اللجنة القائمة، وانتهت جلسة المفاوضات بعرض 3 من أصل 11”.
وفي هذا الصدد تقول الحكومة الموريتانية إن “منح المعارضة خمسة مقاعد يتطلب المرور عبر المساطر القانونية، والمتمثلة في موافقة البرلمان والمجلس الدستوري ورئاسة الجمهورية، مشيرة إلى أن الأمر قد يستغرق وقت أطول من الفترة المتاحة لإجراء الانتخابات.
وقبل أسبوعين، أكد الناطق باسم الحكومة سيدي محمد ولد محمد، أن الانتخابات الرئاسية لن يتم تأجيلها ليوم واحد”.
وتنص المادة رقم 6 من القانون 05/2018 المعدل لبعض أحكام القانون النظامي 07/ 2012 على أن اللجنة المستقلة للانتخابات يتم تعيين أعضائها بشكل توافقي من لائحة مكونة من 22 شخصية يجري إعدادها بناء على اقتراح مقدم من طرف الأغلبية والمعارضة بواقع 11 عضواً يقترحهم كل فريق.
ولم تسفر سلسلة الحوارات بين المعارضة والحكومة على مدى الأسابيع الماضية، عن أي اتفاق، وبهذا تظل اللجنة على حالها مؤلفة من أطراف داعمة للمرشح محمد ولد الغزواني الذي يدعمه الرئيس الحالي وأنصاره وحكومته.
عرض جديد
وأفاد موقع “صحراء ميديا” الموريتاني الإخباري “أن الاتصالات ستستأنف بلقاء جديد بين وزير الداخلية ووفد من المعارضة، على أن يناقش هذا الاجتماع عرضاً جديداً من المعارضةحول تشكيلة لجنة الإشراف على الانتخابات، يتماشى مع آخر عرض للحكومة بمنحالمعارضة ثلاثة مقاعد في اللجنة”.
وفي العرض الجديد تقترح المعارضة استحداث منصب الأمين العام المساعد، يتمتع صاحبه بصلاحيات الأمين العام، ويكون من نصيبها، كما تطلب المعارضة في مقترحها الجديد أن يتمتع ممثلوها في اللجنة بصلاحيات المدراء المركزيين، بمن فيهم مدير العمليات الانتخابية.
وما زال هذا العرض ينتظر موافقة الحكومة المتوقعة خلال الأسبوع المقبل، من أجل الشروع في تطبيقه، بصفته آخر أمل لاستمرار الاتصالات بين الطرفين قبل الدخول في معمعة الانتخابات.
ومن جانبه ، نفى الجنرال محمد الغزواني، مرشح الأغلبية الحاكمة حاليًا، ضلوعه في قرار الحكومة الرافض لإعادة تشكيل اللجنة المشرفة على الانتخابات، وقال: “لم أشكل مطلقا أي عائق أمام إعادة تشكيل اللجنة، بل أرى من الضروري القيام بكل ما يضمن الشفافية التي أنا داعم لها وداع إليها، فهي تضمن لي إذا فزت أن يكون فوزي نظيفا”.
ونظمت المعارضة في مطلع الشهر الجاري عدة مسيرات شعبية بشوارع العاصمة نواكشوط، للمطالبة بشفافية الانتخابات الرئاسية المقبلة، قادها مرشحون من المعارضة.
تصويت الجيش
وطالب مرسوم رئاسي في نواكشوط، الناخبين الموريتانيين للإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيس جديد للبلاد يوم 22 يونيو المقبل ضمن المرحلة الأولى، على أن يعودوا يوم السادس يوليو المقبل إلى صناديق الاقتراع للتصويت، إذا استلزم الأمر مرحلة ثانية في هذه الانتخابات.
ومع أن المعارضة الموريتانية تطالب بتصويت أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن مع غيرهم من الناخبين المدنيين، فقد نص المرسوم على أنهم سيدلون بأصواتهم يوم الجمعة 21 يونيو 2019 خلال المرحلة الأولى، وفي حالة الاحتكام لمرحلة ثانية فإنهم سيدلون بأصواتهم يوم الجمعة 5 من يوليو 2019 ، بحسب “سبوتنك” الروسية.
وحدد المرسوم يوم الأربعاء 8 مايو المقبل موعدا أخيرا لتقديم ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية، حيث سينشر المجلس الدستوري القائمة المؤقتة للمترشحين يوم الخميس التاسع مايو المقبل، ليفسح المجال للاعتراضات يومي الجمعة والسبت 10 و11 مايو المواليين، قبل أن يصدر قائمة الناخبين النهائية، في موعد أقصاه يوم 22 مايو 2019.
وستفتتح الحملة الدعائية الممهدة لهذه الانتخابات يوم الجمعة السابع يونيو المقبل عند منتصف الليل، حسب ما نص عليه المرسوم، على أن تختتم يوم الخميس 20 يونيو 2019 عند منتصف الليل.