
في ختام النسخة الرابعة عشرة من مهرجان «مدائن التراث»، قدّم وزير الثقافة الحسين ولد مدو قراءة عميقة لمسار هذا الحدث، قراءة تتجاوز لغة الاحتفال إلى منطق المشروع، وتؤسس لفهم جديد لدور الثقافة في بناء الدولة وتعزيز التنمية. فالمهرجان، كما أكد الوزير، لم يعد محطة موسمية تُستدعى فيها الذاكرة على سبيل الحنين، بل أصبح مشروعا وطنيا متكاملا تتقاطع فيه الرمزية بالإنجاز، وتتحول فيه المدن التاريخية من فضاءات ساكنة إلى فاعل حي في الحاضر.
هذا التحول النوعي يعكس نضج الرؤية الثقافية الرسمية، التي لم تعد تنظر إلى التراث بوصفه ماضيا مكتملا، بل باعتباره رأسمال رمزي وتنموي قابلا للاستثمار في بناء الوعي وتعزيز الانتماء، وفي الوقت ذاته دعم الاقتصاد المحلي وتحسين شروط العيش.
فحين “يتعانق الرمز والخدمة”، كما عبّر الوزير، تصبح الثقافة أداة عملية للتنمية، لا مجرد خطاب احتفائي.
ولعل أبرز ما يميّز هذه النسخة، وفق توصيف ولد مدو، هو انتقال المهرجان من «مقام الاحتفاء إلى مقام الإنجاز». وهو توصيف دقيق يعكس فلسفة جديدة في إدارة التظاهرات الثقافية، حيث لا تكتفي الدولة برفع الشعارات أو استحضار الأمجاد، بل تترجم الرؤى المعلنة في الافتتاح إلى أعمال ملموسة وآثار قائمة في الختام.
هذا الربط بين القول والفعل يمنح المهرجان مصداقية عالية، ويجعله نموذجا لسياسات ثقافية قائمة على النتائج لا على النوايا.
كما أن تأكيد الوزير على أن المدن التاريخية لم تعد “شاهدا صامتا على الماضي”، بل فاعلا في الحاضر، يحمل دلالة عميقة على إعادة إدماج هذه الحواضر في الدورة الوطنية للتنمية.
فإحياء المدن القديمة ليس ترفا ثقافيا، بل هو استعادة لدورها في الوجدان الوطني، وربط الأجيال الجديدة بجذورهم الحضارية، مع فتح آفاق جديدة للسياحة الثقافية والاقتصاد المحلي.
ولا يقل أهمية عن ذلك البعد الجماعي الذي طبع هذه النسخة من المهرجان. إذ شدد الوزير على أن النجاح لم يكن ليتحقق لولا الانخراط الوطني الواسع، وتضافر جهود السلطات الإدارية والمنتخبين والفاعلين الثقافيين والمجتمع المحلي.
هذا التناغم يعكس صورة ناضجة من العمل المشترك، ويؤكد أن الثقافة، حين تُدار بروح جماعية، تصبح مجالا جامعا تتلاقى فيه الدولة والمجتمع حول هدف واحد.
وفي المحصلة، تكشف تصريحات وزير الثقافة أن مهرجان «مدائن التراث» لم يعد مجرد حدث ثقافي عابر، بل بات أداة استراتيجية لإعادة الاعتبار للتاريخ، وتحويله إلى قوة فاعلة في الحاضر والمستقبل. وهو مسار يرسّخ قناعة متزايدة بأن الاستثمار في التراث هو، في جوهره، استثمار في الإنسان، وفي تماسك الهوية، وفي تنمية متوازنة تستلهم الماضي دون أن ترتهن له.
وكالة الوئام الوطني للأنباء



.gif)
.png)
.jpg)
.gif)

.jpg)

.jpg)