
الوئام الوطني : سبع سنوات مضت منذ أن اعتلى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني سدة الحكم، وهي سنوات لا يمكن قراءتها بمنطق الحصيلة الرقمية المجردة، بقدر ما تُقرأ بوصفها مسارًا متدرجًا لإعادة بناء الثقة، وترميم العلاقة بين الدولة ومحيطها السياسي والاجتماعي، وتوجيه بوصلة العمل العمومي نحو جوهره الحقيقي .. خدمة الوطن بهدوء، ومن دون ضجيج، ولكن بإصرار واضح على إحداث التحول.
منذ اللحظة الأولى، بدا أن الخيار المركزي للرئيس غزواني لم يكن القطيعة ولا الانتقام السياسي، بل إرساء مناخ انسجام وطني يُخرج البلاد من دوامة الاستقطاب الحاد التي ظلت تطبع المشهد السياسي لعقود. فكانت مبادرته بالجلوس مع مختلف الفرقاء السياسيين، بما في ذلك رموز المعارضة، داخل القصر الرئاسي، سابقة سياسية بامتياز، لم تكتفِ بكسر الحواجز النفسية، بل دشنت نمطًا جديدًا في إدارة الاختلاف، يقوم على الاعتراف المتبادل، وفتح قنوات الحوار بدل إدارة الصراع.
هذا التحول لم يكن شكليًا، بل أسس لمعادلة سياسية أكثر توازنًا، انعكست تهدئة في الخطاب العام، واستقرارًا في المناخ السياسي، وهي شروط لا غنى عنها لأي مشروع تنموي جاد.
وبينما كانت هذه الديناميكية في طور الترسخ، داهم العالمَ تحدٍّ غير مسبوق تمثل في جائحة فيروس كورونا، التي أربكت الأنظمة الصحية والاقتصادية حتى في الدول الأكثر جاهزية. في هذا السياق، وجدت موريتانيا نفسها أمام اختبار حقيقي لقدرة الدولة على حماية مواطنيها. وقد أظهرت إدارة الرئيس غزواني للأزمة مزيجًا من الحزم والواقعية، عبر إجراءات وقائية مبكرة، وتعبئة شاملة للموارد، وضمان الحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي، مع عناية خاصة بالفئات الهشة. لم تكن المعركة ضد الوباء صحية فقط، بل كانت معركة ثقة أيضًا، نجحت الدولة خلالها في تأكيد حضورها ودورها، رغم محدودية الإمكانات.
ولم تنتهِ القصة بانحسار الجائحة، بل تحولت الأزمة إلى نقطة انطلاق لإعادة النظر في أسس المنظومة الصحية برمتها. فتم توجيه استثمارات معتبرة لتوسيع البنية التحتية الصحية، وتعزيز قدرات المستشفيات، وتحسين ظروف عمل الطواقم الطبية، ورفع جاهزية القطاع لمواجهة الطوارئ المستقبلية. وهكذا، لم يعد الإصلاح الصحي رد فعل ظرفيًا، بل خيارًا استراتيجيًا ضمن رؤية أشمل لبناء دولة الرعاية والخدمات الأساسية.
ومع انقضاء المأمورية الأولى، كانت البلاد قد دخلت مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والمؤسسي، ما أتاح انطلاقة مأمورية ثانية بطموح أكبر وزخم أوضح. السنة الأولى منها حملت مؤشرات قوية على تسارع وتيرة الإنجاز وتنوعه، حيث شملت الأوراش المفتوحة قطاعات حيوية تمس حياة المواطن اليومية. في المجال الزراعي، تم إطلاق برامج موجهة لتعزيز الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي، في ظل إدراك عميق لحساسية هذا القطاع ودوره في السيادة الوطنية. وعلى مستوى البنى التحتية، شهدت البلاد توسعًا ملحوظًا في شبكة الطرق، وتحديث المنشآت الأساسية، بما يعزز الربط بين المناطق ويدعم النشاط الاقتصادي.
وفي قطاعي الطاقة والمياه، برز توجه واضح نحو تحسين النفاذ، وتقليص الفوارق بين المركز والأطراف، مع إعطاء الأولوية للمناطق الداخلية التي ظلت تعاني لعقود من الهشاشة الخدمية.
أما الإدارة العمومية، فقد دخلت بدورها مسار تحديث هادئ، هدفه تبسيط الإجراءات، وتعزيز الحكامة، وربط الخدمة العمومية بحاجات المواطن، بعيدًا عن التعقيد والبيروقراطية المرهقة.
وفي موازاة ذلك، اتخذت مكافحة الفساد بعدًا مؤسسيًا أكثر وضوحًا، تجسد في إنشاء سلطة وطنية مختصة، بما يحمل من دلالات سياسية قوية على وجود إرادة حقيقية لمعالجة الاختلالات البنيوية، وترسيخ مبدأ المحاسبة، ليس كشعار ظرفي، بل كخيار دائم لبناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
وعلى المستوى السياسي، ظل خيار الحوار حاضرًا بوصفه أداة لإدارة التعدد والاختلاف، حيث تم خلق مناخ ملائم لإطلاق حوار وطني شامل، عبر تعيين منسق له، في خطوة تعكس قناعة راسخة بأن القضايا الكبرى لا تُحل بالإقصاء، ولا تُدار بالقرارات الأحادية، بل بالنقاش الهادئ، وبمشاركة جميع القوى الوطنية.
ولعل ما يميز هذا المسار، إلى جانب تنوع إنجازاته، هو أسلوب المتابعة الميدانية الذي اعتمده الرئيس غزواني، من خلال زيارات تفقدية منتظمة، وحرص دائم على الاطلاع المباشر على سير الأشغال.
هذا الحضور الميداني لم يكن بروتوكوليًا، بل شكل رسالة واضحة للإدارة والمقاولين مفادها أن الجودة واحترام الآجال ليست ترفًا، بل التزامًا. وقد أسهم ذلك في خلق ديناميكية تنفيذية جديدة، وحافز جماعي لمضاعفة الجهود وتحقيق نتائج ملموسة.
وهكذا، تتواصل ماكنة البناء في الدوران، دون انقطاع، مدفوعة بطموح وطني يتجاوز منطق الإنجاز الظرفي إلى رؤية طويلة الأمد، تسعى إلى ترسيخ دولة قوية بمؤسساتها، عادلة في سياساتها، وقريبة من مواطنيها. سبع سنوات من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لم تكن مجرد فترة زمنية في تاريخ الحكم، بل كانت مسارًا إصلاحيًا هادئًا في إيقاعه، عميقًا في أثره، يؤسس لمستقبل قوامه الاستقرار، والتنمية، وتعزيز الثقة في الدولة ومشروعها الوطني.
المدير الناشر لوكالة الوئام الوطني
إسماعيل الرباني


.gif)
.png)
.jpg)
.gif)

.jpg)

.jpg)