الوئام الوطني - مع بدء العد التنازلي للحملات الرئاسية الموريتانية يزدادا السباق شراسة بين ستة مرشحين أعلنهم المجلس الدستوري بعد المداولة ضمن اللائحة المؤقتة لرئاسيات 2019، مرشحان يتصدران المشهد، وأربعة في الأطراف وآخرون تقطعت بهم السبل في صحراء الترشح فتوقفت بهم المسافة قبل الانطلاق.
ومع صخب الحقوقي بيرام ولد الداه الذي انتهى بتكذيب مراسل على قناة الحرة في لقاء مثير للجدل، وزحف كان حاميدو بابا على شعبيته محاولا احتضان ملف الإرث الانساني وبعث اللغات الوطنية، ورفع ولد المرتجى لشعار الشباب لتمرير ترشيحه والحصول على ثقة جيوش العاطلين والمحتجين الغاضبين، ورفع ولد مولود الكادح السابق الطامح اليوم لأبهة الرئاسة لشعار المعارضة الملتزمة، يبقى التنافس على كرسي الرئاسة محصورا لحد الساعة بين مرشح الأغلبية الجنرال وقائد جيوش موريتانيا السابق محمد ولد الغزواني، والوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر.
فيما نسي الناخبون مرشحين من نوع يحظيه ولد داهي وآخرين اعلنوا في وقت سابق رغبتهم في الترشح ولم يتحصلوا على ثقة ما يكفي من مستشارين.
وكلما اقترب موعد النزال الانتخابي، زادت حدة الصراع الذي تحيط به دوائر من الخلافات تكاد تصل حد المؤامرات الصامتة.
حملة مبكرة وقاسية، يخوضها المتنافسون، وسط ساحة يصعب تفكيكها على غير الخبراء والمتمرسين لسياسة اخذت من الرمال اصرارها على الزحف ومن البحر قدرته على التحول، ومن النخيل اسقاطه للثمار بعد طول انتظار.
وفيما يتسلح ولد الغزواني بصبر وحكمة المخطط العسكري، تتوسع دبلوماسية المثقف المتمرس ولد بوبكر لتخترق الجدران الموصدة.
الازمة الجديدة التي تقتضي تسليط منابع الضوء في الحقيقة لا تتعلق بالاحتفاليات التي يطالعنا بها المرشحون بين الحين والآخر وسط انضمام مبادرات للاستهلاك الاعلامي، بل بحركة السياسيين في أعظم ترحال سياسي تشهده خريطة الأحزاب والشخصيات الوازنة في موريتانيا منذ عقد من الزمن.
ومع النزيف الذي يشهده حزب تواصل اكبر احزاب المعارضة تمثيلا في البرلمان على مستوى الصف الأول من الزعماء، وانضمامهم للمرشح محمد ولد الغزواني، اضافة الى انضمام القيادي البارز في حزب التكتل محمد محمود ولد لمات بعد 30 عاما من مقارعة السلطة، ودعمه لولد الغزاوني، والأنباء عن قرب انضمام شخصيات وازنة مثل الرئيس السابق لحزب التجمع والإصلاح جميل منصور والمحامي ووزير العدل السابق محفوظ ولد بتاح وآخرين الى المرشح نفسه، فان هذه الانضمامان وبدل ان تكون "بردا وسلاما" على المرشح، فإنها تسببت في شرخ كبير لدى أنصاره السابقين القادمين من عش دعم الرئيس محمد ولد عبد العزيز والذين سرعان ما تبنوا "نظرية المؤامرة" ليصلوا الى تحليل مفاده ان المعارضة تضع كمائن للاستحواذ على مرشح الموالاة، خصوصا ان المرشح نفسه أخذ مسافة من بعض كبار داعميه من الصف الأول من الاغلبية وقياديي الحزب الحاكم - وبعضهم وزراء- نظرا لضعف شعبيتهم، وانخفاض رصيدهم في الشارع، نتيجة اطلالاتهم المنفرة على الجمهور.
هذا الصراع الذي يتنامى مع مرور الوقت يخنق حملة المرشح ولد الغزواني التي لم تخل من أخطاء تكتيكية خلال جولاته الداخلية، مع الضغط الذي يمارسه معارضوه على وسائل التفاعل الإجتماعي، وهو ضغط ساهم فيه مناهضون لشخصية الرجل داخل الموالاة، وهم الذين رغبوا قبل ذلك في ترشيح غيره، لحسابات تتعلق بالتاريخ والجغرافيا وتقاسم كعكة صناعة القرار.
على ان هذا الارتجاج الذي يكاد يكسر مرايا حملة المرشح ولد الغزواني فانه ينعكس بظلاله بشكل إيجابي على حملة المرشح سيدي محمد ولد بوبكر الذي يستقبل مجموعات وازنة، وشخصيات متمرسة في السياسة كل يوم، ويحافظ على رصيد انتخابي متين، خصوصا انه مرشح طيف كبير من المعارضة والشباب، وللموالاة مآربها في شخص متصالح مع الادارة العميقة مثله، وهو ما جعل شبكة من رجال الأعمال والداعمين "تحت الطاولة" يؤيدون ترشيحه وتغيير واقع الحال من خلاله.
وفيما لا تزال السيناريوهات معقدة وغير محسومة النتائج، وسط حالة استقطاب غير مسبوقة، فان عدم احكام غزواني لقبضته على فريق عمله، وعمل ولد بوبكر –بالمقابل- على تحصين صفوف المنضمين اليه فان الاخير قد يقلب الطاولة على مرشح النظام الذي - رغم كل شيئ - يرى انصاره انه قد ينتفض في أي وقت لتوجيه بوصلة العمل السياسي مجددا بعد ان يتخلص من رتابة وانضباط القائد العسكري، ويعتاد مرونة المدنيين التي تحتاج التعامل مع المواقف بكثير من الدهاء.
هيئة تحرير الوئام