في السنة الثانية من الهجرة النبوية وهي السنة التي فرض الله تعالى فيها الصيام على المسلمين، علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن هناك قافلة لقريش سوف تخرج من مكة فخرج لها وهي خارجة من مكة باتجاه الشام حتى وصل إلى منطقة العشيرة وحالف بعض القبائل, ووجد -عليه الصلاة والسلام- أن القافلة التي تحمل كثيراً من الأموال قوامها ألف بعير وخمسون ألف دينار وثلاثون رجلاً قد فاتته، فرجع -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة.
وقال المهتم بالسيرة النبوية المكانية والمرشد السياحي محمد المهدي، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ برصد الطريق بإرسال الخبراء بطرق القوافل فأرسل طلحة بن عبيدالله، وأرسل معه سعيد بن زيد -رضي الله عنهما-, ولما علم -عليه الصلاة والسلام- بموعد رجوع القافلة جهّز الجيش فنادى -عليه الصلاة والسلام- أن لنا طلبه فمن كان ظهره حاضرا فيلحقنا, فخرج -صلى الله عليه وسلم- من المسجد وكان المسلمون لم يتجهزوا لهذه المعركة، فكان المسجد النبوي هو المحطة الأولى في مسيرة الجيش لمعركة بدر.
وبيّن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شاور أصحابه وهم بالمسجد النبوي حينما بلغه إقبال أبي سفيان بالقافلة، كما روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاور، فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا، فهذه الشورى الأولى بهذه المسيرة لجيش المسلمين باتجاه بدر.
ومضى "المهدي" سارداً أحداث مسير هذا الجيش قائلاً: "بعد ذلك انطلق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قائداً لجيش المسلمين وكان عددهم ثلاثمائة وأربعة عشر من المقاتلة إلى ديار السقيا وهي ما يعرف حاليا بسكة حديد الحجاز (العنبرية) وتعرف تاريخياً بأرض السقيا وفيها استعرض -عليه الصلاة والسلام- جيشه وهذه إستراتيجية عسكرية انتهجها المصطفى في بعض مغازيه، وذلك أنه إذا أراد الخروج لغزوة خرج إلى مكان فضاء بالجيش لاستعراض الجيش وتفقده ورد الصغار منهم, وفي ذلك الموقع استسقى أصحابه له من بئر السقيا فشرب منها وتوضأ منها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصلى بقربها ركعتين ودعا لأهل المدينة بالبركة -, فقال: "اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثل ما باركت لأهل مكة واجعل مع البركة بركتين".
وتابع: "وفي أثناء تفقد الرسول -عليه الصلاة والسلام- لجيشه وجد سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أخاه عميراً يتوارى من رسول الله, فقال له سعد: مالك؟ قال الفتى الصغير العمر عميق الإيمان: أخاف أن يراني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيستصغرني فيردني, وأنا أحب الخروج للجهاد لعل الله يرزقني الشهادة، وروي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رد عمير بن أبي وقاص عن بدر، استصغره، فبكى عمير، فأجازه أن يخرج مع الجيش -، عندما تحرك الجيش غرباً عند بئر أبي عنبة أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابي الجليل قيس بن أبي صعصعة، فكان على مؤخرة الجيش فأمره بأن يعد الصحابة فعدهم، ثم دعا -عليه الصلاة والسلام- عندما نظر للجيش فوجدهم قليلي السلاح وحفاة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (اللهم إنهم حفاة فاحملهم اللهم إنهم عراة فاكسهم اللهم إنهم جياع فأشبعهم) ففتح الله له يوم بدر فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا.
بعد ذلك انطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- وجيش المسلمين إلى طريق بدر حتى وصلوا إلى حرة الظاهرة ومروا من عند جبل أنعم ثم نزل الجيش على العقيق ومروا بجبل جماء تظارع ثم بات الجيش المبيت الأول في بطحاء ابن أزهر, وحدد أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- للنبي -عليه الصلاة والسلام- مسجدا من الحجارة تحت شجرة هناك، وفي الصباح تحرك الجيش مارا بذي الحليفة والبيداء ثم مروا بمنطقة يُقال لها ذات الجيش التي تمتد إلى منطقة المفرحات غرب المدينة المنوّرة حتى وصلوا إلى وادٍ كبير يُقال له وادي تربان الذي حدثت فيه قصة الغزالة وهي أن النبي شاهد غزالة، فأشار إلى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- لهذه الغزالة فوضع سهمه في قوسه فجاء -عليه الصلاة والسلام- فوضع خده على خد سعد، فدعا لسعد أن يصيب هذه الغزالة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (ارم اللهم سدد رميته) وأصابها سعد بنحرها.
وقال: "بعد ذلك انطلق الجيش المتجه إلى بدر إلى وادي ملل، وفيه كان المبيت الثاني للجيش ثم أصبحوا وتحركوا ومروا بوادٍ يُقال له غميس الحمام، ثم على صخيرات اليمام حتى وصلوا إلى شرف الروحاء، وهي منطقة كبيرة جداً تبدأ من نهاية السيالة حتى المنصرف والذي يسمّى الآن بالمسيجيد، فكان مع الجيش سبعون بعيراً كل ثلاثة كانوا يعتقبون بعيرا فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- معه أبو لبابة، وعلي بن أبي طالب، فقالوا: يا رسول الله نكفيك نحن، فنحن نمشي وأنت تركب، فقال -عليه السلام-: (ما أنتما بأقوى منّي على المشي، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما), وعند وصولهم إلى بئر الروحاء بلغه -عليه الصلاة والسلام- أمر عن بني عمر بن عوف، أهل قباء، فخاف النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتفاقم فأرسل ثلاثة من الصحابة وهم أبو لبابة وكان من بني عمرو بن عوف، فولاه على سائر المدينة، ورد عاصم بن عدي العجلاني، فولاه على عالية المدينة، ورد الحارث بن حاطب ليتحقق من الأمر الذي سمعه عنهم ويتأكد منه".
وبيّن أنه وبعد بئر الروحاء انطلق -عليه الصلاة والسلام- بجيش المسلمين حتى بلغ منطقة المنصرف، وهي الآن تسمّى المسيجيد وسُميت المنصرف لأن فيها طريقين الطريق الأيمن يؤدي إلى بدر وهو وادي الصفراء والأيسر إلى مكة عن طريق وادي كبير يسمى وادي (الجي), وسلك -عليه الصلاة والسلام- طريق وادي الصفراء الذي يمر بمرتفع يسمى ريع المستعجلة وهو يسمّى الآن طلعة الماك ثم مر بوادٍ فيه كثيب من رمل يسمى فير, ثم وصل الجيش إلى منطقة قريبة من قرية الواسطة، فشاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- جبلين فسأل عن اسميهما فقالوا له أحدهما اسمه (مخريء) والآخر اسمه (مسلح)، وقال مَن أهله؟ فقالوا له بطنان من غفار بني حراق وبني النار فعدل عن المرور من أرضهم ذات اليمين حتى وصل منطقة ذفران وفي هذه المنطقة تأكد الخبر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قريشا قد خرجت بجيشها فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبس بن عمرو الجهني، وعدي بن أبي الزغباء الجهني، يستطلعان الخبر ونزل ماء بدر فنزل على تلة قرب مياه بدر يتحسسان فسمعا جاريتين تتحاوران حول دين بينهما، فقالت إحداهما إن العير ستكون هنا غداً وأعطيك دينك فكان هناك رجل اسمه مجدي الجهني، وقال فعلا غداً ستكون العير هنا فسمعهما وعادا مسرعين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبراه عن العير وعن وصولها".
وأشار "المهدي"، في سرده لهذه المسيرة لركب المسلمين، إلى أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعد أن عرف عن العير ذهب هو بنفسه يستطلع الخبر مع أبي بكر الصديق، إلى منطقة جبال تسمى الأصافر قريبة من ذفران فوجدا شيخاً من بني ضمرة فسأله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فقال له: أخبرني عن محمد، وأخبرني عن الجيش، وعن قافلة أبي سفيان، فقال الشيخ أخبراني مَن أنتما أولاً فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أخبرتنا أخبرناك, فقال ذاك بذاك فقال -صلى الله عليه وسلم- نعم, فقال الشيخ بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدقني الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، فلما فرغ من خبره، فقال من أنتما: فقال -عليه الصلاة والسلام- نحن من ماء، ثم انصرفوا عنه.
وبيّن المهتم بالسيرة النبوية المكانية والمرشد السياحي محمد المهدي، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن علم بجيش قريش عاد إلى أصحابه بالمعسكر بذفران، وتأكد له -عليه الصلاة والسلام- أن جيش قريش قدم، فقال -عليه الصلاة والسلام- أشيروا عليّ فأشار عليه المهاجرون بخوضها، وقالوا خيراً، ثم أعاد عليهم أن أشيروا عليّ فعلمت الأنصار أنه يريدهم، فقال له سعد بن معاذ وهو سيد بني عبد الأشهل وسيد الأوس: يا رسول الله، قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق من عند الله وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، وإنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسِر بنا على بركة الله، فَسُرَّ الرسول- صلى الله عليه وسلم- لذلك، وقال: "سيروا على بركة الله، وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، إما العير، وإما النفير".
وكالة الأنباء السعودية (واس)