عندما تسمع كلمة (نخبة) تقفز إلى ذهنك، تلقائيا، الصورة النمطية لحبيسي النصوص و الرؤى الموروثة أو ربما تراءى لك (المثقف الناقد) ذو الخلفية اليسارية الغرامشية، لا شك أن مفهوم (النخبة) ما زال ملتصقا في ذهنك بالصفة الأكاديمية التي أريد لها أن تلتصق به عنوة، إمعاناً في إبعادها - أي النخبة - عن (البعد السياسي) الذي هو الأساس في تنظيم الشعوب.
إن غياب دور محوري للنخبة جعلنا - كمجتمع و كدولة - متورطين في أزمة معقدة و تزداد تعقيدا، فاستكانتنا إلى طور أدبيات الوطنية و عجزنا عن الانتقال إلى مرحلة المواطنة أمران معيقان لفعالية النخب كقوى اقتراح و تأطير و تشكيل للوعي من خلال عملية مزدوجة عنوانها تجسيد المجرد و تجريد المجسد.
إن (العصر الرقمي) الذي نعيش فيه مكن العامة من التأثير مقوضا دور النخب فساد إيقاع الصوت الواحد الذي هو - أي الصوت الواحد - تبديد لبلورة البديل و معادل للصمت !
تقول حكمة شرقية قديمة إننا "نظل واحدا و نحن صامتون و نصبح متعددين حين نتكلم".
آن للنخبة أن تخرج عن صمتها و تقود حراكا مستنيرا متبصرا مستندا إلى المعرفة و الخبرة طامحا إلى الإصلاح، حراكا يقدم عملا نخبويا صادقا سيكون - بإذن الله - الأساس القوي الضامن لنهضة شاملة حان وقتها.
إن طموحنا الكبير لموريتانيا لا تعادله إلا ثقتنا في قدرة نخبها الجادة على إحداث الفرق متكلة على الله، مستندة إلى ما حباها به من معارف و خبرات؛ و مطمئنة إلى خطاب سياسي جديد يمد اليد للجميع و يقبل إشراك الكل و يصنع حالة من الإجماع المطلوب بإلحاح تغليبا للمصلحة العليا للوطن.
د. أحمدُ حمديت
(باحث دكتوراه حول الذكاء الاقتصادي و الابتكار).