الوئام الوطني (تحليل) ـ مع حلول الأيام الأخيرة للعد التنازلي قبل انطلاق الحملة الرئاسية الأكثر جدلا في تاريخ الديمقراطية الموريتانية تقف الساحة السياسية على مفترق طرق مفتوح على كل الاحتمالات, وذلك لحدة الاستقطاب وسخونة الأجواء السياسية المحضرة للحملة.
ورغم أن المرشحين البارزين تقاسموا ظاهريا كعكة الناخبين, فتوزعت الأحزاب السياسية وتشكلت المبادرات الجهوية والتحقت الشخصيات المستقلة والمنسحبة من الأحزاب بركبها الجديد, ووقف الكل في مربع خياره انتظارا للحظة انطلاق البعثات وإطلاق الحملات, إلا أن الأجواء العامة ما زالت تحمل نذر بعض الأعاصير التي قد تعيد أمواجها العاتية تشكيل الخارطة قبل وأثناء الحملة الانتخابية.
ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل, كما يقال, فمن المتوقع أن يكون لإعلان المرشحين الرئاسيين عن طواقم حملاتهم في الولايات والمقاطعات أثر سلبي على انسجام المؤيدين الذي شعروا بالتهميش والحرمان, وهو ما تجلى, حتى الآن, في حملة مرشح السلطة محمد ولد الغزواني, التي شهدت تذمرا عارما بدأ من ولاية داخلت نواذيبو ليمر بولايات الضفة في الجنوب والجنوب الشرقي, ويطوف بوسط البلاد قبل أن يستقر في ولايتي الحوضين, وكان آخر تجلياتها انسحاب كتلة عدل بكرو من حملة الغزواني وانضمامها لحملة غريمه الأبرز سيدي محمد ولد بوبكر.
ثم إن أداء اللجنة الإعلامية لحملة مرشح السلطة محمد ولد الغزواني, الذي تميز بالسقوط الأخلاقي والنزول لدرك المهاترات والخطاب السياسي غير الناضج, والهجوم غير المبرر على داعمي مرشحهم القادمين من ضفة المعارضة, كل ذلك قد مثل عامل طرد للمؤيدين وحاجز منع لمن يفكرون في دعمه.
وفضلا عن كل ذلك, فإن مستشاري ولد الغزواني من الحرس القديم يدفعونه إلى أن يكون نسخة طبق الأصل من الرئيس محمد ولد عبد العزيز, وهو ما يمثل أكبر خطإ يمكن أن ترتكبه لإقناع الناخبين, فحتى الرئيس نفسه لو كان في حملة انتخابية جديدة لغير خطابه ولاعترف بالنواقص ولسعى لإقناع الناخبين بأن عهدته القادمة ستكون مختلفة, فما بالكم بشخص آخر كان عليه ألا يرهن نفسه لإرث غيره.
المراقبون يرون أن الطريقة التي تم بها تشكيل حملة ولد الغزواني والأداء السيئ للجنته الإعلامية وحرص مستشاريه على تقديمه كنسخة من الرئيس الحالي, كلها أمور تصب في مصلحة منافسه القوي سيدي محمد ولد بوبكر, الذي يعتبر مرشح الوسط المقنع لطيف واسع من الموالاة وأحزاب ذات وزن سياسي وانتخابي في المعارضة ونسبة عالية من المستقلين, فضلا عن تأييده من قبل غالبية المركزيات النقابية.
وفي ظل مؤشرات كهذه, فإن المراقبين يستبعدون حصول أي حسم في الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية المنتظرة, ويرجحون توجه الناخبين لشوط ثان بين المرشح المدعوم من قبل السلطة وأجهزة الدولة ورجال الأعمال وشيوخ العشائر محمد ولد الغزواني, وبين المرشح المدعوم من قبل أحزاب معارضة وازنة ومركزيات نقابية فاعلة وأغلبية صامتة متجذرة في مفاصل الدولة, بالإضافة إلى شباب مؤمن بضرورة التغيير المدني وقادر على فرض التغيير بحيوته ونشاطه وآلياته في الإقناع.
هيئة تحرير وكالة الوئام الوطني للأنباء