هناك حالة من سيولة المواقف السياسية في الفضاء الافتراضي الموريتاني ليست نتاج الثقافة التنظيمية الرّخوة لمجتمعنا فحسب، وإنما رسّختها أيضاً الممارسات الحزبية والسلطوية منذ عقود.
مشهد أحزاب جماهيرية فاعلة (من خلال تجربة المنتدى مثلاً) تتعطل أنشطتها وقراراتها المصيرية بسبب مجاملة شخص، أو ‘تيار’ ليس له من الجمهور إلا ما يصطحب قائده في مقصورة سيّارته، مشهد في غاية الاختلال والغرابة.
هل يمكن لوزير أو مسئول حكومي سابق، مهما كان حجمه، في دولة ذات تجربة ديموقراطية راسخة أن يلتحق بمعارضتها الْيَوم، ثم يتحالف غداً بندّية مع أحزابها السياسية الكبرى؟
من المفترض أن من يريد العمل السياسي الجاد في بلد ديموقراطي عليه أن يلتحق بالحزب الأقرب لتطلعاته، أو أن يمتلك القدرة التنظيمية والإعلامية والمادية لإنشاء حزب أو تحالف جدي مواز.
إذا كانت الدولة تستمد أهم مميزاتها من احتكار القوة، فإن الأحزاب السياسية تستمد قوتها ونماءها من احتكار التنظيم واحترامه.
هل يُعقل، خارج حدود بلدنا على الأقل، أن تتم تزكية المرشحين للرئاسيات مثلاً من قبل العشرات من المستشارين البلديين والعمد، الذين لن يصوّت لهم منهم أحد، وفي الوقت الذي لو قدّم فيه هذا المزكَّى مشروعه للناس لما استطاع الحصول على مستشار بلدي واحد على المستوى الوطني؟!
إذا كان الجيل الشبابي الموريتاني جادا في سعيه للتغيير الديموقراطي عليه أن يعلم أن لا سبيل إلى ذلك إلا بالنجاح في خلق أحزاب وتحالفات عريضة قوية، وإعادة الاعتبار للعمل الجماعي المنظم، ووضع حدّ لهذه الهلاميّة السيّاسية المزمنة.
#جيل_المستقبل_الديموقراطي
الدكتور/عبد الله ولد بيان