لقد وصف الله سبحانه بأن القرآن أحسن الحديث بقوله تعالى (الله أنزل أحسن الحديث)، وجاء في آية أخرى (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية: 6)، وقال تعالى (فبأي حديث بعده يؤمنون)، أي أن إطلاق مسمى حديث محصورة فقط على آيات القران الكريم لو لم يأت الوحي لمحمد ابن عبدالله ونزل عليه القران كتاب الله للناس كافة، فلن يكون رسولا أو نبيا وسيكون مثل أحد الناس في قومه، ولكن الله سبحانه يعلم حيث يجعل رسالته لعباده، فكلف محمد الإنسان ليكون رسولا للناس كافة، يهديهم طريق الخير والرشاد وأمره بتكليف محدد بقوله تعالى ( يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)، ماذا أنزل على الرسول؟ وما الرسالة التي يريدها الله أن يبلغها للناس؟ أليس غير القرآن خطاب من الله لعباده؟ وهل يملك محمد عليه الصلاة والسلام مخالفة أمر الله ويبلغ الناس قولا آخر غير ما يكلفه الله به وهو القرآن؟
حيث يقول سبحانه (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم (1) والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم (2) ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل والذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم (3).. (سورة محمد).
تعنى هذه الآية أن الناس انقسموا إلى فريقين منهم من اتبع الحق الذي أنزل على الرسول وهو القرآن الكريم ومنهم من اتبعوا الباطل والذين كفروا بالقرآن واتبعوا الروايات التي أصبحت بديلا عن القرآن وخلقت دينا جديدا لا صلة له برسالة الإسلام التي يأمرنا الله باتباعها في كتابه المبين وأصبح لزامًا على كل إنسان أن يحدد موقفه إن كان من أهل القرآن فالله سيكفر عنهم سيئاتهم ويصلح بالهم وأما من اتبع ما تتلوا الشياطين من أساطير وروايات سيضل الله أعمالهم، ألم يشتك رسول الله لربه حيث يقول سبحانه (وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) الفرقان (30)..
ألم يقل سبحانه وتعالى ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) الجاثية (6) كيف تجرأ الجهلة الذين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب عظيم بما كانوا يكذبون ( البقرة 10) أن يجعلوا من اتخذ القرآن مرجعه ويجعله يعلو فوق ماعداه فكلام الله فوق كلام الملائكة والأنبياء متهمًا بأنه قرآني.. إن تلك التهمة هي والله أعظم تقطير لكل مسلم اتخذ القرآن وحده مرجعية واستغنى بآيات الله عن الروايات والإسرائيليات وجعل كلمة الله هي العليا، ما الذي حدث لعقول العرب المسلمين كيف ضاقت عليهم نفوسهم وعقولهم بأن يصلوا إلى هذا المنحدر ويتطاولون على رسول الله وما أنزل الله عليه من قرآن مبين للتذكير لتستيقظ العقول وأن بني إسرائيل حاولوا بشتى الوسائل القضاء على رسالة الإسلام منذ بداية بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام حتى أنهم حرضوا كفار قريش على اغتياله ولما فشلوا شنت عليه قبائل اليهود -بنى قريظة وبنى النظير وبنى قينقاع -حروبا عدة لإعاقة تبليغ رسالة الإسلام للناس..
وبفضل الله نصر رسوله وهزموا شر هزيمة في كل معاركهم، ولذا اتجهوا للشائعات وافتراء الأكاذيب على رسول الله، وخلقوا آلاف الروايات نسبوها للصحابة منسوبة للرسول، واستطاعوا أن يقنعوا بها عددا كبيرا من دعاة المسلمين، وبالغوا في تضخيم مكانتهم في العالم العربى والإسلامى بكل وسائل الدعاية من طباعة عشرات الآلاف من الكتب والمجلدات لإعطاء مصداقية وتقديس لتلك الروايات، فاندفع المسلمون من كل مكان يمجدونهم ويقدسون آراءهم حتى أصبح أولئك العلماء مراجع دينية غير قابلة للنقد أو لتصحيح بعض المفاهيم التي تنال من الرسول عليه الصلاة والسلام ومن القرآن الكريم واعتبروها غير قابلة للمناقشة أو المراجعة.
هكذا استطاع الإسرائليون أن يؤسسوا على الروايات دينًا جديدًا يدعمهم ويساندهم مجموعة علماء المذاهب المختلفة والأسانيد المنسوبة لأصحاب رسول الله ليتحقق للروايات القدسية والمصداقية وبذلك استطاعوا أن يضربوا طوقًا على العقول بمنعها من التدبر والتفكر كما أمر الله سبحانه مستهدفين صرف الناس عن القرآن وتعطيل فرائضه لتستمر المؤامرة في وأد العقل العربى ليظل مرتهنا بأقوال السابقين وتبقى العقول مقيدة بتلك الأغلال التي ابتدعوها.
ولذلك مما يؤكد استمرار مؤامرة بني إسرائيل وتابعيهم من الجهلة والأميين بمحاولاتهم زرع الخوف في كل من يحاول أن يعيد مكانة القرآن أساسًا لرسالة الله لعباده متضمنة آياته تعاليم الإسلام وتشريعاته يمارسون تهمة القرآنيين لإرهاب المسلمين من التدبر والتفكر في كتاب الله، وتعطيل فريضة إلهية بدأها الله سبحانه عندما علم آدم الأسماء كلها وهي المعرفة منذ الخليقة حتى قيام الساعة، كما انزل على رسوله عليه الصلاة والسلام مفتاح المعرفة بسورة (إقرأ) أول سورة أنزلت على رسول الله في القرآن والمؤامرة تستهدف استمرار انصراف المسلمين عن القرآن، ويؤكد الله سبحانه أن أعداء الله وأعداء الرسالة سينشروا شائعات وروايات عن القرآن لتكون لكتبهم الغلبه يقول الله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت 26)
وعلى ضوء ما جاء أعلاه تبرز الأسئلة التالية:
(1) كيف استطاع المتآمرون على رسالة الإسلام وأعداء الله أن ينشئوا روايات تتعارض مع قيم القرآن وسماحة الدين؟
(2) كيف استطاعوا أن يغرقوا العقول في مستنقعات الفتنة والفرقة والقتل والتدمير في حين أن الله يدعو للتعاون بين الناس بالبر والرحمة والتسامح والمحبة بين الناس؟
(3) كيف استطاعوا أن يمزقوا وحدة الرسالة إلى مرجعيات متناحرة متصارعة ومتقاتلة، كل منهم يبحث عن سلطة وجاه ومكانة مرموقة في المجتمع؟
(4) كيف استطاعوا أن يجعلوا منا معاول لهدم دين السلام والمحبة والتحول إلى وحوش مسعورة فقدت كل قيم الإنسانية فأهملنا ما جاءت به رسالة الإسلام من عدل وسلام يقتل بعضنا بعضا تحت شعار الله أكبر.
والسبب هو حينما هجر المسلمون الخطاب الإلهي القرآن الكريم.