إعداد: إسماعيل الرباني "المدير الناشر لوكالة الوئام الوطني للأنباء" الموريتانية
عشرون عاما تبدل فيها المغرب غير المغرب، وتحولت فيها المؤسسات غير التي كانت، وتغيرت فيها العلاقات الاقليمية نحو الأفضل، وتعززت فيها الاستراتيجيات التي ربطت المملكة بالعالم المؤثر، ودخلت فيها قضية الوحدة الترابية للمملكة منعطفا حاسما نال ثقة وتثمين وتزكية ورضى المجتمع الدولي.
عشرون عاما هي عمر اعتلاء الملك الشاب محمد السادس عرش أسلافه المنعمين، حتى الآن، جعلت الشعب المغربي والأفارقة وأحرار العالم يبتهلون ويدعون له بمضاعفتها في كامل صحته وعافيته ليتسنى لجلالته تقديم المزيد من خدمة الوطن وتعزيز مؤسساته ولحمته الوطنية وتكريس اندماج شعوب المنطقة، والدفاع عن القضايا العادلة في المنطقة والعالم، وعلى رأسها قضية القدس الشريف.
خدمة الفقراء
مع بداية تسلم الملك محمد السادس مقاليد حكم المملكة، سنة 1999، بدأ عهده الميمون بالتركيز على خدمة المواطن المغربي، وجعل تحسين الوضع المعيشي وخلق فرص العمل وتعزيز البنى التحتية وتحديث المملكة أولوية المرحلة.
فقد تولى الإشراف على إطلاق البرامج التي تهدف إلى تحسين التعليم والتكوين ومحو الأمية ومساعدة الفقراء وكفالة الأيتام.
كما قام بالإشراف الميداني على إطلاق المشاريع التنموية الكبرى، والتي أنعشت الاقتصاد وحركت ركود السوق وامتصت البطالة ووفرت السكن، ودفعت بعجلة التنمية إلى الأمام.
وبسبب تلك البرامج الهامة والمشاريع العملاقة استعاد الشعب ثقته في المستقبل، وتعزز لديه الشعور بالانتماء، فأطلق على الملك الشاب لقب "ملك الفقراء"، نظرا للعناية الفائقة التي أولاها جلالته للطبقات الهشة من المجتمع.
الحكم الذاتي
وخلال فترة حكمه الميمون، استطاع الملك محمد السادس تحريك الجمود الحاصل في النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء في اروقة الأمم المتحدة، فأطلق مبادرته الشهيرة بمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا تحت سيادة المملكة، وهو العرض الذي فاجأ المجتمع الدولي باعتباره دليلا على الانفتاح والرغبة في تمكين المجتمع الدولي من التفرغ لنقاط ساخنة عبر العالم تتطلب التدخل العاجل، رغم أن المغرب ليس مضطرا لتقديم تنازل بهذا الحجم، خاصة وأن وقائع التاريخ وتشابك الجغرافيا واعترافات العالم تعزز موقفه وحقه في صيانة وحدته الترابية.
ولئن كانت مبادرة الحكم الذاتي مجرد هبة من الملك محمد السادس للمجتمع الدولي لكي يوفر جهده المادي والمعنوي في هذا الجزء من العالم، إلا أنها كشفت عدم جدية قادة "البوليساريو" في التوصل إلى حل نهائي، نظرا لاستفادتهم من الوضع القائم حيث يتلاعبون بالمساعدات الدولية ويستنزفون خزينة الدولة الجزائرية ويستفيدون من التسهيلات الاجتماعية التي تقدمها موريتانيا عبر موانئها واستثناءاتها الضريبية والجمركية.
وبفضل مبادرة الحكم الذاتي، التي اقترحها المغرب، وجد العالم نفسه في حل من أي التزام أو إحراج تجاه الانفصاليين والدولة الجزائرية.
دستور يوليو
ومع انتهاء العقد الاول من القرن الحادي والعشرين، كانت المنطقة العربية على موعد مع متطلبات جيل جديد من الشباب يسعى لتلبية بعض المطالب الخاصة بالتنمية والحرية والاصلاحات الدستورية، فقامت ثورات الربيع العربي التي واجهتها الأنظمة بأساليب الرفض والقمع، وهو ما دمر بلدانا وقسم اخرى وترك تحديات اقتصادية كارثية في بعضها.
غير أن حكمة وحنكة الملك محمد السادس، وتمكنه من فهم وتفهم مطالب الشباب، جعلته يسعى إلى أن يكون الربيع المغربي مختلفا في الشكل وفي المسار والنتائج.
لقد عرض جلالته على الشعب دستور يوليو 2011، المنفتح والمعتمد على تجذير المؤسسات الديمقراطية والاحتكام لصناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة بدل فوضى الشارع التي لا تعرف الحدود.
تكامل جنوب-جنوب
ورغم أن المغرب لم يكن عضوا في المنظمة القارية "الاتحاد الافريقي" بقرار من الملك الراحل الحسن الثاني حينما كانت "منظمة الوحدة الافريقية"، وهو ما استمر لسنوات بعد اعتلاء نجله الملك محمد السادس العرش، إلا هذا الأخير انتهج سياسة انفتاح وتكامل مع دول القارة السمراء، ووضع استراتيجيته الشهيرة "تكامل جنوب-جنوب"، مؤكدا أن القارة الافريقية تزخز بالثروات الطبيعية والعقول المتميزة والكم البشري والتواصل الجغرافي، وهي عوامل تمكنها من بناء اقتصاد قوي متكامل.
العودة إلى الحظيرة
وبفعل انتهاج استراتيجية الملك محمد السادس للتكامل الافريقي، والتي تم تعزيزها بجولات ملكية لمعظم دول القارة صاحبها توقيع عشرات الاتفاقيات البينية، لم يجد المغرب أي عائق عندما قرر العودة إلى مكانه الطبيعي في عمقه الإفريقي ضمن دول القارة في منظومتهم الاقليمية "الاتحاد الافريقي".
وبعودة المغرب لشغل مقعده الشاغر عادت الحيوية إلى قمم الاتحاد الافريقي وقراراته ولجانه وتكامل أعضائه.
المقاربة الأمنية
وفي ظل عالم جديد باتت فيه الجريمة عابرة للقارات، انتهج المغرب، بتعليمات سامية من الملك محمد السادس، استراتيجية أمنية فعالة أثبتت نجاعتها محليا وإقليميا ودوليا.
وبفضل تلك المقاربة الرائدة والفريدة، ظلت المملكة محصنة من التنظيمات الارهابية التي عبثت بأمن العديد من دول المنطقة، حيث اعتمدت الاستراتيجة على تنفيذ الضربات الاستباقية التي تعتمد على تفكيك الخلايا النائمة، كما مكنت من مساعدة دول أوروبية بمعلومات استخبارية دقيقة أدت للقضاء على متطرفين مطلوبين لعدالة تلك الدول.
ويمكن القول إن عقدين من تولي الملك محمد السادس عرش اسلافه المنعمين كانا بمثابة جسر ٱمن عبرت به المملكة الكثير من المطبات الخطيرة التي أفشلت دولا وقسمت أخرى ودمرت دولا أخرى، ليصل المغرب إلى بر أمانه السياسي والاقتصادي والاجتماعي.