قبل حوالي سنتين رفض النظام الموريتاني السماح لي بالعمل مراسلا لموقع الجزيرة نت في نواكشوط، دون ذكر اي سبب، فتوجهت إلى داكار للعمل هناك، وزودني أحد الزملاء برقم صحفي سنغالي مستقل اسمه با عبدو الله، وهو شاب لطيف نشط كريم وذكي ..
بعد الوصول إلى داكار رتبتُ لقاء مع با، وأخبرته أنني أريد اعتمادا من الوزارة المعنية قبل بدء العمل، فما كان منه إلا أن أخرج هاتفا متواضعا جدا وبحث في عناوينه ثم دفعه إليّ قائلا: "هذا رقم الوزير فاتصلْ عليه لتحديد موعد".
قلتُ له ممازحا ومستغربا: أنا لا اعرف الاتصال على الوزراء، ثم إن الوزراء عندنا ليسوا في متناول العموم خاصة صحفي بسيط اجنبي مثلي، فلا تدفعني إلى ما لا طاقة لي به.
فضحك وقال لي: لا الأمر عندنا بسيط، غير اني قلت له إن كان الأمر بهذه السلاسة فلتذهب معي غدا إلى الوزارة فذلك افضل. ففعل مشكورا ..
في الطابق الرابع من عمارة نظيفة كان مكتب الوزير، دخلت انا وبا المكتب حوالي ال11 صباحا، توجهنا إلى سكرتير الوزير، فاخبره با اننا نريد مقابلة الوزير من أجل الحصول على اعتماد يسمح لي بالعمل، فرد أنه إذا كان مهمتها هذه فقط فلنذهب إلى سيدة موظفة _ أشار إليها بيده _ ونسلمها رسالة من المؤسسة التي ابتعثتني وسوف تقوم بالاجراءات نفس اللحظة، وإن كنا نرغب في مقابلة الوزير فسوف يدخلنا عليه بعد أن يخرج احد الزوار معه في مكتبه، او نحدد يوما اخر للقاء الوزير، فاخبرناه اننا غايتها هي اجراءات الاعتماد فقط، فتم تنفيذها خلال دقائق وقطعت بطاقتي بعد يوم وباشرت مهامي طيلة عملي في السنغال لم تضايقني اي جهة او تسالني مجرد سؤال ...
موجبه ما قراته حول نشر هواتف الوزراء وان البعض اتصل بهم واجابوه حول بعض الامور، فهي بادرة إيجابية تنقص صنمية الحكام، وتقربهم من المحكومين، واتمنى ان تكون بداية جدية لتكسير البيروقراطية القاتلة في إدارتنا، والفوقية المتجذرة في اغلب مسؤولينا خاصة ذوي الوظائف السامية. واعرف تمام المعرفة أن مجتمعا مثل مجتمعنا من الصعب فتح هواتف العموم فيه للجميع على مصراعيها أحرى هواتف من لهم مسؤوليات جمة ومشاغل يفترض ان تكون ضاغطة، لكنها بكل تاكيد لا ينبغي ان تحول دون التواصل مع الناس والاستماع لمشاكلهم الجدية ما امكن، فذلك من صميم مهامهم.