موريتانيا: بعد شهرين.. النظام يوجه البوصلة..

بعد مرور شهرين من تسلمه السلطة، يسير الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني ووزيره الاول اسماعيل ولد ابده ولد الشيخ سيديا لترسيخ اركان نظام جديد مختلف، يعتمد على حلحلة المشاكل وفق رؤى جديدة مفعمة بالحيوية والابداع، مع طول نفس وصبر في ترك الملفات وعدم تسرع في صناعة مشهد غير حقيقي، بل ان التركيز في المرحلة الجديدة كما يبدو من محطات الإصلاح يبدو هادئا وغير منساق للحملة بل انه في كثير احيان يعمل في صمت محاولا التركيز على الخطط طويلة المجئ والاصلاحات الجوهرية في بينة الدولة والمجتمع.
ولعل ذلك انسحب بشكل واضح على نظرة اكثر المعارضين راديكالية في السياسة الموريتانيين ممن يلمسون اليوم محاولات الاصلاح ويحاولون –دون اعلان ذلك- حمايتها وعدم التسرع في الحكم عليها.
الاثنين دشن رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني بداية حلم، وبداية اصلاح ارق الكثيرين ويتعلق ببناء مدرسة جمهورية تتربى فيها الأجيال على مبادئ الحرية والمساواة والتسامح و الانفتاح من منطلق الثوابت الثقافية والحضارية ورفع مستوى جودة التعليم وتنمية جوانبه العلمية والمهنية وفق ما تقتضيه متطلبات الاقتصاد الوطني ومواكبة العولمة، وتحقيق نسب اعلى في مجالات النفاذ والتغطية الاجمالية.
تبدو البداية واعدة ولكن ذلك مقرون بعدم التسرع في لمس النتائج، فالمشاريع القومية التي تلتف حولها الامم وتعيد بناء المجتمعات تستحق الوقت والصبر، وهذا ما يبدو واضحا من اصرار الحكومة واهتمامها بالتفاصيل ورعايتها للاستيرتيجيات بحكمة.
ان افتتاح الموسم الدراسي من طرف رئيس الجمهورية كان لقاء مختلفا للرئيس مع الناس، ولم يمر دون تسجيل صورتين تعطيان انطباعا واضحا عن ما ستسير اليه الامور مستقبلا:
الاولى كانت صورة الرئيس مع ابناء موريتانيا، والتي حملت حلم موريتانيا في عيون البراعم المقبلة على التعليم، من مختلف اعراق موريتانيا ومشاربها، حيث اصر الرئيس على التقاط تلك الصورة التي تمثلنا جميعا، وثانيها تدخل وزير الصحة الموريتاني محمد نذير حامد لإسعاف عمدة الرياض عندما اصيب بوعكة صحية وهو يلقي خطابا امام الرئيس، حيث لم ينسى الوزير التزامه الاخلاقي والمهني تجاه صحة الافراد وسلامتهم.
كان الافتتاح متابعة لمسار طويل من الاصلاحات في هيكلة الادارة بدأت مع تعيين وزيره الاول اسماعيل ولد ابده ولد الشيخ سيديا كوزير اول وتكليفه بتشكيل الحكومة، تلك الحكومة التي استجابت لاول مرة لنبض الشارع، وعوضت عن انتظار الموريتانيين كثيرا لإعلانها، لتاتي حكومة كفاءات متوازنة حظيت بقبول الشارع الذي جند نفسه للدفاع عنها واظهر استعداده لمنحها الفرصة المناسبة لتشريح الواقع وطرح حلول للمشاكل الكبرى التي تعاني منها موريتانيا والتي يأتي على راسها رعاية الطبقات المغبونة والسير في اتجاه العدالة الاجتماعية وتمكين المواطنين من النفاذ الى الخدمات الأساسية خاصة ذوى الأوضاع الهشة منهم، ومكافحة الفقر ومعالجة الفوارق الاجتماعية ومحاربة الهشاشة ودعم الفئات المغبونة وتعزيز التكافل الاجتماعي، والتخطيط  لإطلاق سلسلة من المشاريع الطموحة لصالح هذه الفئات ضمن برامج متنوعة تشمل دعم القوة الشرائية وتحسين الظروف المعيشية و النفاذ الى الخدمات الأساسية من كهرباء وماء صالح للشرب وصحة وتعليم.
يعتمد ذلك كله على خبرات الوزير الاول المهندس خريج المدرسة المركزية بباريس، والحاصل على دبلوم الدراسات المعمقة من نفس المدرسة، وصاحب التجربة الواسعة خلال الوظائف التي سبق أن شغلها، سواء كان ذلك في القطاع العمومي أو القطاع الخصوصي، والذي يقود اليوم واحدة من اقوى حكومات الكفاءات التي ادارت شؤون موريتانيا عبر تاريخها.
يعمل الوزير ليل نهار بدوام غير محدد في التنسيق والاشراف على الخطط التنموية وعمليات الاصلاح الكبير الذي تشهده البلاد.
وهو بذلك يضع لبنة جديدة في مشروع الاصلاح الذي انطلق يوم 1 اغسطس الماضي والذي استبشر به الموريتانيون خيرا آملين ان يكون بداية لحل المشاكل العالقة.
والحقيقة ان كل الوزارات اليوم تعمل بقوة على تشريح واقع قطاعاتها وبحث الحلول مع المهنيين واصحاب الكفاءات لوضع خطط طموحة للنهوض بكل القطاعات جنبا الى جنب، وتتواصل الوزارات بشكل مستمر مع الفاعلين والمستثمرين من اجل ربط جسور التواصل بينها.
والاهم ان الادارة تجاوزت بسرعة عقلية المعارضة والموالاة حيث تم توجيه القطاعات للاستفادة من كل الخبرات الموريتانية في الداخل والخارج لتحقيق المصلحة العليا للوطن.
ان الاستراتيجية الجديدة لدى الإدارة تسير في اتجاه مختلف تماما للإدارة التقليدية، فالوزراء يدقون ناقوس الخطر ويطرحون الحلول ويستبقون الشارع حتى في لاهتمام بأدق تفاصيل حياة الناس.
مؤخرا دق الدكتور نذير حامد، وزير الصحةالجديد، الذي يضع على عاتقه تحدي اصلاح نظام الصحة  ناقوس الخطر حول خطورة الادوية المزورة التي تنتشر في البلاد، وطرح فكرة تأمين البلد بالأدوية والمستلزمات الطبية النظيفة، عبر اعتماد نظام جديد يقوم على تجميع كافة الطلبات المتعلقة بالأدوية والمستلزمات الطبية ومركزتها وعرضها على مجموعة من الموردين المنتقين على أساس جودة مواردهم والخدمات التي يقدمونها.
وهذه اقوى استجابة واقعية لمواجه الادوية المزورة في البلاد التي وصلت حدا اصبحت معه تصدر الادوية المزورة للخارج وفق تقارير حكومية حيث سيتم فتح صفقة مع المورد الذي سيتم اختياره وستوحد جميع الاستيرادات في صفقة واحدة وتشكل لجنة مشتركة بين الدولة والخصوصيين لمناقشة جميع مقترحات الموردين الوطنيين والأجانب والاطلاع على جودة أدويتهم وعلى أسعارها. بحيث أن المورد المختار يجب أن يكون قادرا على ضمان الجودة وخفض الأسعار، في الوقت الذي ستكون الوكالة المركزية لشراء الأدوية والتجهيزات والمستلزمات الطبية هي نقطة توريد وتوزيع جميع الأدوية على الصيدليات وعلى جميع المراكز الصحية في عموم البلاد.
وفيما يتجه قطاع الصحة لتجاوز اكثر مشاكله الحاحا جاء اصلاح اخر اكثر فنية وجوهرية حيث قدم وزير العدل حيموده ولد رمظان مشروع تعديل بعض مواد المدونة التجارية ويحتوي على 116 مادة مكررة كانت تحتوي على محتوى يمكن المحامي من إعداد جميع العقود المتعلقة بالأصل التجاري والشركات التجارية.
وهو يمنح توازنا بين العقود المتعلقة بالأصل التجاري والعقود الخاصة بالشركات التجارية التي ستصبح من اختصاص الموثقين ما سيمكن من سرعة القيام بهذه العقود الآنفة الذكر وإبرامها بشكل واضح ومضمون ليصب ذلك في سرعة حركة الاستثمارات وتحرير الشركات التي تعتبر ركائز الاقتصاد الحيوي.
كما ان المالية الموريتانية تتجه بثبات نحو اصلاحات جوهرية مع مصادقة مجلس الوزراء الموريتاني، خلال اجتماع استثنائي على قانون المالية المعدل لسنة 2019، وهو يمس تعديل الترتيبات الضريبية، بل يسعى لتحقيق الصدقية في حسابات الدولة ويتضمن إلى ذلك جميع عمليات فتح وإلغاء الاعتمادات اللازمة لغرض تسيير ميزانية 2019  وإعادة تنظيم الهيكلة الحكومية.
هذا اضافة الى سلسلة من التعيينات لكبار الموظفين في مناصب مهمة في ادارة الخزينة والضريبة والمالية والميزانية، وهم كفاءات وطنية عاينت مشاكل القطاع وعرفت بالكفاءة والمهنية، وذلك لخلق اصلاحات جوهرية في قطع المالية الذي يعتبر نبض العمل الحكومي.
كما تهتم الحكومة بالقوة الناعمة وصناعتها والنهوض بها حيث اطلقت وزارة الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان مشاورات واسعة النطاق بهدف بحث اصلاح قطاع الاعلام والثقافة وهي مشاورات اشرك فيها الخصوصيون والمهتمون والمستثمرون من أجل وضع الخطوط العريضة لاصلاح متين لهذه القطاعات الحيوية والتي تصنع صورة موريتانيا في الداخل والخارج.
فيما يعمل الشيخ الكبير مولاي الطاهر وزير الاقتصاد والصناعة على اظهار قدرات موريتانيا والاصلاحات الاقتصادية الاخيرة التي واكبها كمساعد لمحافظ البنك المركزي الموريتاني قبل تعيينه وجذب انظار المستثمرين الاجانب اضافة الى رفعة كفاءة وحيوية الاقتصاد الموريتاني وتمتين الاصلاحات الكبرى التي شهدها القطاع.
هذا جزء من ثورة عارمة في مختلف القطاعات تشهدها موريتانيا في ظل النظام الجديد الذي اخذ على عاتقه اصلاح الاوضاع الهشة وخلق نهضة هادئة هدفها الانسان.
انها حركية جديدة تتأسس في ظل تفاهمات سياسية غير مسبوقة ومناخ من الحوار والنقاشات السياسية الهادئة بعد اللقاءات الاخيرة التي جمعت الرئيس الموريتاني بالطيف السياسي وقادة الاحزاب السياسية الوطنية حيث نجحت المصلحة العليا بدل االشحناء والمواجهات، واظهر الرئيس الموريتاني حنكة وسداد رأي ونية لإشراك الجميع في شؤون الوطن.
واذا كانت هذه مجرد حصيلة جزئية لشهرين فقط من العمل فان ذلك يؤسس للقول ان الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني وحكومته يتجهان فعلا لتحقيق اكبر برنامج تنموي عرفته البلاد خلال العشر سنوات القادمة.

 

تحرير وكالة الوئام الوطني للأنباء

 

اثنين, 07/10/2019 - 23:49