وجه العاهل المغربي، الملك محمد السادس مساء اليوم الأربعاء، خطابا ساميا إلى الأمة بمناسبة الذكرى الـ44 للمسيرة الخضراء، والتي تأتي اليوم في ظل إجماع أممي غير مسبوق على ضرورة احترام سيادة المغرب من خلال الثقة التي منحها مجلس الأمن الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها حلا واقعيا وذا مصداقية وقابلا للتطبيق، وذلك لوضع حد للنزاع المفتعل حول مغربية الصحراء.
فبعد مرور نحو أربعة عقود ونصف على انطلاق المسيرة الخضراء، التي وحدت الأرض ومنحت الاستقلال طعما خاصا، يؤكد الملك محمد السادس على أنها كانت "ولا تزال، أحسن تعبير عن التلاحم القوي بين العرش والشعب"، مشيرا إلى أنها" أكدت بالدليل، قدرة المغاربة، ملكا وشعبا، على رفع التحديات التي تواجه الأمة".
لقد أكد جلالته، في خطابه اليوم، أن "الروح التي مكنت من استرجاع الصحراء، سنة 1975، هي التي تدفعنا اليوم، للنهوض بتنمية كل جهات المملكة"، موضحا أن ذلك "ينطبق على أقاليمنا الجنوبية، التي تعتبر صلة وصل بين المغرب وإفريقيا، على الصعيد الجغرافي والإنساني والاقتصادي".
ويمضي الملك محمد السادس في القول: "لقد ظل المغرب واضحا في مواقفه، بخصوص مغربية الصحراء، ومؤمنا بعدالة قضيته، ومشروعية حقوقه"، مؤكدا أنه "سيواصل العمل، بصدق وحسن نية، طبقا للمقاربة السياسية المعتمدة حصريا، من طرف منظمة الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي، عملي وتوافقي".
وأوضح الخطاب أن مبادرة الحكم الذاتي تجسد الحل الوحيد والأمثل" نظرا لجديتها ومصداقيتها، وصواب توجهاتها؛ لأنها السبيل الوحيد للتسوية، في إطار الاحترام التام للوحدة الوطنية والترابية للمملكة".
وأضاف أن هذا التوجه تعزز "بزيادة عدد الدول التي لا تعترف بالكيان الوهمي، والذي يفوق حاليا 163 دولة، كما تؤكده أيضا الشراكات والاتفاقيات التي تجمع المغرب بالقوى الكبرى، وعدد من الدول الشقيقة والصديقة، والتي تشمل كل جهات المملكة، بما فيها الأقاليم الصحراوية".
ونبه الملك محمد السادس إلى أن المسيرة الخضراء مكنت من" استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية"، مؤكدا أنه، "ومنذ ذلك الوقت، تغيرت خريطة المملكة؛ ولم نستوعب بأن الرباط صارت في أقصى الشمال، وأكادير هي الوسط الحقيقي للبلاد".
ونظرا للأهمية الكبيرة التي يوليها العاهل المغربي لتنمية الأقاليم الجنوبية وربطها بباقي جهات الوطن، قال جلالته إن "المسافة بين أكادير وطنجة، هي تقريبا نفس المسافة، التي تفصلها عن الأقاليم الصحراوية، وليس من المعقول أن تكون جهة سوس ماسة في وسط المغرب، وبعض البنيات التحتية الأساسية، تتوقف في مراكش، رغم ما تتوفر عليه المنطقة من طاقات وإمكانات".
وأوضح جلالته أن المغاربة مدعوون" للتفكير، بكل جدية، في ربط مراكش وأكادير بخط السكة الحديدية؛ في انتظار توسيعه إلى باقي الجهات الجنوبية، ودعم شبكة الطرق، التي نعمل على تعزيزها بالطريق السريع، بين أكادير والداخلة"، مشيرا إلى أن هذا الخط سيساهم "في فك العزلة عن هذه المناطق، وفي النهوض بالتنمية، وتحريك الاقتصاد، لاسيما في مجال نقل الأشخاص والبضائع، ودعم التصدير والسياحة، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية".
وأضاف أن هذا الخط "سيشكل رافعة لخلق العديد من فرص الشغل، ليس فقط في جهة سوس، وإنما أيضا في جميع المناطق المجاورة"، مشددا على أن "جهة سوس - ماسة يجب أن تكون مركزا اقتصاديا، يربط شمال المغرب بجنوبه، من طنجة شمالا، ووجدة شرقا، إلى أقاليمنا الصحراوية، وذلك في إطار الجهوية المتقدمة، والتوزيع العادل للثروات بين جميع الجهات".
وأشار الملك محمد السادس إلى أن السعي لتحقيق تنمية متوازنة ومنصفة بكل جهات المملكة،" لا يعادله إلا التزامنا بإقامة علاقات سليمة وقوية مع الدول المغاربية الشقيقة"، منبها إلى أن "الوضع الحالي بالمنطقة وبالفضاء المتوسطي يسائلنا جميعا، ويدعونا للتحرك الإيجابي، نظرا لما يحمله من فرص وتحديات".
وأضاف: "لقد جعلنا قارتنا، منذ اعتلائنا العرش، في صلب سياستنا الخارجية. فقمنا بالعديد من الزيارات لمختلف دولها، وتم التوقيع على حوالي ألف اتفاقية تشمل كل مجالات التعاون"، مؤكدا أن ذلك كان له "أثر ملموس على مستوى مكانة المغرب الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية داخل القارة".
وأكد العاهل المغربي على" جعل المغرب فاعلا أساسيا في بناء إفريقيا المستقبل، كما نطمح للرفع من مستوى المبادلات التجارية، ومن الاستثمارات المغربية في القارة، وإطلاق مرحلة جديدة، عمادها المنفعة المشتركة".
وختم الملك محمد السادس خطابه بالقول: "إننا نتحمل جميعا أمانة الحفاظ على الوحدة الوطنية والترابية، والنهوض بالتنمية الشاملة بجميع مناطق البلاد"، وأضاف: "كما أننا مسؤولون على مواصلة تعزيز العلاقات الإنسانية والاقتصادية والسياسية، التي تجمع المغرب بالدول الإفريقية".