وطننا ليس للبيع.. /بقلم : عبد الله أمانة الله

يجد المهتم بشأن المواطن العادي الذي يدفع فاتورة الفقر والحرمان غالية نفسه محرجا أمام واقع مضطرب، بين أصحاب البطون الخاوية والأفكار الرجعية، الذين يعملون من أجل الحصول على لقمة العيش بأي طريقة.. فيما يلاحظ المتتبع للتاريخ المعاصر وهو ما بعد الاستقلال تقريبا، بدأ تغير نمط الحياة نظرا لطبيعة الدولة التي تختلف عن الحياة البدوية المترنحة بين رحلة البحث عن النفوذ والسعي لمجرد البقاء.
مما يعني أنه ليس من السليم أن نطلب عدالة اجتماعية ومساواة، من مجتمع بدوي ما يزال بعد أكثر من نصف قرن من تجربة تأسيس الدولة، يتمسك بمعظم عاداته وثقافاته البدوية، ولم يدرك بعد معنى الدولة كثقافة والوطن ككيان.. من باب أحرى أن يدرك قيمة مثل هذه القيم السامية.
ولو كان ذلك لما كانت ثروات هذا الوطن الهائلة تحت قبضة إفراد من الناس، من الظلم أن نعتبرهم من فئة أو شريحة واحدة وإن اشتركوا في أنهم السبب الرئيسي لما يحصل اليوم من انفجارات نفسية سواء تقمص أصحابها الإلحاد أو العنصرية..
وحتى لا أدخل في بعض تجليات تلك البداوة التي منها على سبيل المثال لا الحصر، العجز عن خلق مواطن مؤمن بالدولة ويعمل لها لا لنفسه ولمصالحه الضيقة، فإن شيء من هذا يمكن أن حصل، أي أننا اليوم وفي ظل القوانين والنظم التي تنطلق منها الدولة، توجد ولو على الورق دعوة للوحدة والمساواة، ولعلها السانحة التي ينبغي استغلالها لتتحول من مجرد أمنية عابرة وجدت مستقرها على ورق في الرفوف، إلى واقع معاش ينعم فيه الجميع بالأمن والألفة والمحبة..
لا يعني هذا نفيا لما يحصل بين مختلف مكونات المجتمع الموريتاني اليوم من التعاون والانسجام..، ولكنه تعاون وانسجام أعرج يحتاج بالفعل من يُقوم اعوجاجه، صحيح أن أحد الطريق المختصر لذلك هي أن نعيد النظر في قوانيننا الاجتماعية ونعمل على دمج هذه المكونات بعضها في بعض من خلال رفع حظر الزواج فيما بينها، وفي هذا تغيير للواقع وكذا إغلاق للطريق أمام دعاة الفتنة، أصحاب الأطماع الذين يتصدرون المشهد اليوم، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وحينها نُخرج الحلم الكبير أي أن ننعم بالعيش المشترك على هذه الأرض في ظل تكافؤ في الفرص وعدالة شاملة تسع الجميع..، من قفص الأحلام ليكون هدفا كبيرا يسع الجميع، ونُدرك معنى العيش المشترك، ونعرف ما نريد..، ولا نرضى أن نكون حميرا تمتطيها ثلة لحاجات خاصة ومآرب أخرى.
وإلا فمن لمريم التي تعيل أطفالا أيتام حين تنشب الحرب الأهلية أظفارها؟ ومن لامباركه جارتها أم العيال المطلقة والتي تتبادل معها أدق الأشياء الشخصية والمنزلية، وتسامرها في الليل؟ من لبلال المصاب بمرض الكلى الذي يعجز في غالب الأيام عن ثمن سيارة أجرة توصله للمستشفى، ومن لآمادو الذي لا يملك من مصادر العيش إلا يده التي يعمل بها.. والقائمة تطول.
إننا بحاجة لأن نراجع الأمرين معا المشاكل المطروحة وآلية حلها، والحفاظ على الموجود أولى من طلب المفقود.
ومن ناحية أخرى فإنه ليس من الانصاف أن نترك أبناءنا في الشوارع بين أزقة الحي دون تربية أو تعليم ثم ننقم على الدولة انها لم تعلمهم أو لم يحصلوا على الوظائف، فمسؤولية الدولة التي على جميع مكونات المجتمع أن يتحدوا من أجلها هي أن توفر فرص متساوية أمام الجميع تشمل التعليم الصحة والأمن..
لكن التخلف من جهة وعدم الوطنية من جهة أخرى، يتيح الفرصة لأصحاب مصالح شخصية ضيقة بل الضيقة جدا، ليعرضوا الوطن على طاولة البيع على قارعة الطريق، بين من يبعه بنهب ثرواته واستغلال خيراته..، ومن يبيع وطنه بعرض من الدنيا في أي فرصة خارجية.
هذه النقطة الأخيرة هي التي دعتني للكتابة أيها الشعب الأبي إن عليك أن تتولى إدارة شأنك بنفسك ولا تنقاد لا للمرضى النفوس، ولا لأصحاب البطون المتخمة على حسابك.
أما أنتم أيها المرجفون الذين تبيعون دينكم بعرض من دنيا فإن بضاعتكم مزجات كاسدة وإن يد الله هي العليا ويأبى الله إلا أن يتيم نوره "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ".

اثنين, 24/02/2020 - 16:20